Ad

قاومت الدول الكبرى، والغربية على رأسها، صدور اتفاقية ملزمة بشأن حقوق الإنسان ونجحت في أن يكون المولود الجديد ليس إلا «إعلاناً»، فالحكومات الغربية وتحديداً الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا كانت إما دولاً استعمارية كالأخيرتين، وإما انها تمارس عنصرية منهجية داخل حدودها كالحال مع الأولى.

* إعلان للإنسان

عند منتصف ليلة العاشر من ديسمبر في إحدى ضواحي باريس من عام 1948، كان العالم على موعد مع الاعتراف بحقبة جديدة، ألا وهي إقرار الدول الـ58 المكونة للأمم المتحدة بأن ثمة حقوقاً للإنسان من الواجب احترامها وذلك من خلال الوثيقة الأهم، وهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

لم يكن صدور تلك الوثيقة سهلاً، كما لم تكن تلك الدول بمجملها تدرك أهمية تلك الوثيقة، فالدبلوماسيون الذين مثّلوا دولهم في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كانوا يناقشون ويصوتون كسياسيين حين يناقشون أي وثيقة أخرى، وكانوا على أية حال حفنة من السياسيين، رأي هنا، وجهة نظر هناك، اقتراح هنا، تعديل هناك، تصويت على مادة هنا، وإقرار مواد هناك، كانت العملية سياسة في سياسة، صراع مفهوم بعضه، أما بعضه الآخر فيسير في السياق السياسي التقليدي في المحافل الدولية.

إلا أن الانتباه أخذ يتصاعد في الأيام الأخيرة، وبدأت الأجواء السياسية تتجه نحو السخونة لم يبردها الطقس الباريسي البارد، وبدأ الدبلوماسيون يدركون معنى تلك الوثيقة فكان الإصرار، وبالذات من الدول الكبرى الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وبريطانيا، بأن يولد الإعلان ضعيفاً لا أسنان له ولا أدوات، بل هو إعلان يتكون من جمل مصفوفة بشكل جميل فقط لا غير.

ولا يبدو أن أحداً من أولئك المجتمعين في باريس وحكوماتهم من ورائهم يدركون أنهم قد منحوا الإعلان قوته المعنوية من حيث لا يعلمون، فقوة الإعلان في ضعفه، فقد قاومت الدول الكبرى، والغربية على رأسها، صدور اتفاقية ملزمة بشأن حقوق الإنسان ونجحت في أن يكون المولود الجديد ليس إلا «إعلاناً»، فالحكومات الغربية وتحديداً الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا كانت إما دولاً استعمارية كالأخيرتين، وإما انها تمارس عنصرية منهجية داخل حدودها كالحال مع الأولى، وبالتالي فإن صدور اتفاقية تلزمهم باحترام حقوق الإنسان إنما كان سيقضي على المرتكزات الأساسية لتلك الدول.

أما كيف صدر الإعلان، وكيف أصبح شيئاً فشيئا الوثيقة المرجعية للعالم في حقوق الإنسان، وكيف حاول الساسة أن يسرقوه ويحيلوه إلى استغلال بشع لمبادئه، وكيف في وسط التناحر السياسي ضاعت البوصلة من العرب والمسلمين واندفعوا يناهضون الإعلان استناداً إلى أنه صناعة غربية مع أنه ليس كذلك، بل كيف منح العرب والمسلمون بموقفهم ذاك للغرب شرفاً لا يستحقه فلذلك حكاية مهمة، لا تخلو من شيء من الطرافة، وهو ما سنتطرق إليه في سلسلة مقالات قادمة عن الإعلان وولادته وقد بلغ الإعلان من العمر 60 عاماً، وأنجب من رحمه ما يزيد على 50 وثيقة أخرى منها على الأقل 7 اتفاقيات.

* الفلوجة وكريسماس

وبمناسبة الحديث عن الرؤية الإنسانية فقد أصدر أحد أبرز الموسيقيين الأميركيين بيلي جويل أغنية جديدة له بعنوان «كريسماس في الفلوجة»... ومن المعروف عن الفنان الشهير مواقفه الإنسانية المناهضة للحروب، إذ أتحف العالم بأغنيته المناهضة للحرب في فيتنام «مساء الخير سايغون» وتقول كلمات أغنيته الجديدة:

« ها نحن جئنا مع الصليبيين لإنقاذ الأرض المقدسة

وها هو كريسماس قد جاء للفلوجة

إلا أن لا أحد فيها يعير الأمر أي اهتمام...»

وقد خصص جويل ريع الأغنية لجمعية خيرية معنية ببناء بيوت خاصة للجنود الأميركيين الذين أصيبوا بإعاقات شديدة من جراء إصابتهم في حرب أفغانستان والعراق، وقد قرر جويل أن يقوم بأداء الأغنية مطرب أميركي شاب يدعى كاسن ديلون... فحسب جويل انه قد حصل على ما يكفي من الشهرة، وهو يرغب في إعطاء الفرصة إلى أحد الشباب للظهور. كما أن الهدف من الأغنية التعامل مع وضع الجنود الأميركيين في العراق وبالتالي لم ير من المناسب أن يغنيها هو، بل من الأنسب أن يغنيها شاب في عمر الجنود هناك.

وهكذا يبرز بيلي جويل مجدداً الصورة التي يسعى إلى طمسها وإغفالها المتهورون والمتطرفون على الجانبين؛ ففي الولايات المتحدة والغرب ألوان عديدة بمستوى تعددية ألوان قوس قزح، ويكفي أن نعرف أن هناك أكثر من 600 محام أميركي متطوعون للدفاع عن معتقلي غوانتانامو، فالألوان ليست أسود وأبيض كما يراها بعضنا، مع أن الأسود والأبيض ليسا من الألوان في الأساس، بل أصبحا يعبران عن حالة ذهنية نتمنى أن يخرج العالم منها.