في رحاب شهر الله
لعلنا بحاجة ملحة وحقيقية إلى أن نخلق لأنفسنا موسماً موحداً شبيهاً بموسم الصيام يستشعره الجميع ويعيش رحابه الصغير والكبير، المسؤول والموظف الصغير والمواطن العادي، كلٌّ من موقعه وكلٌّ حسب اختصاصه وكلٌّ بقدر صلاحياته ومسؤولياته، وفق برنامج شامل يحمل اسم الكويت حتى يستمد أهميته وعظمته.
ولا أروع مما قاله الرسول الأكرم -صلى الله عليه وسلم- في وصف شهر رمضان المبارك عندما قال «شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب»، ويضيف -صلى الله عليه وسلم- انه «شهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد فيه الشياطين».فشهر رمضان تتدفق فيه ينابيع الكرم والجود الإلهي ونفحات الإيمان، وتتجلى قدسية هذا الشهر الفضيل ويتألق عبق جلالة قدره في أن خصه رب العالمين لذاته المقدسة، ليكون الأولى برعايته وسخائه المطلق، فهنيئاً لمن تشمله هذه الرعاية الكريمة. ومن خصوصيات ومزايا شهر رمضان أن الصيام فيه يمثل قمة الإخلاص والنية الصادقة والكامنة في أن حقيقة الصوم والامتناع عن الطعام والشراب، بل والتورع عن المحرمات والشبهات تجسد علاقة خاصة ومباشرة بين الرب وعبده، إذ ترتقي النفوس بتلقائية إلى قمة الشفافية بعد أن تكون الحياة ومشاغلها وإغراءاتها قد جرفت الإنسان في غفلة من أمره، فيأتي شهر رمضان ليكون إحدى محطات التأمل والمحاسبة الذاتية للتحرر من غواية الشيطان وشطحات النفس الأمّارة بالسوء.وكم من عبد نالته يد العطف الرباني خلال هذا الشهر الكريم وتحول جذرياً إلى إنسان آخر بروح جديدة ونفس زكية وتغيرت معالم طريقه جذرياً نحو الصلاح والهداية.ونحن في رحاب شهر الله الأعظم ندعوه -جل وعلا- ألا نحرم أنفسنا من هذه الألطاف وأن نلبس جلباب النعم والتوفيق لكل ما فيه خير دنيانا وآخرتنا من طهارة النفس وتزكيتها، وندعوه أن يلهمنا التقوى والورع في بلدنا الذي نخرت فيها النفوس المريضة واستفحلت في الكثير من مرافقه أعراض الشيخوخة المبكرة والترهل والجرأة على ثرواته سمة طبيعية ومعتادة، وأمست رؤية هلال التنمية والتطور متعذرة، وأصبحت ريادتنا ونهضتنا شيئا من الماضي، وصار الضمير والإخلاص عملة نادرة، والحس الوطني محاربا!!ولعلنا بحاجة ملحة وحقيقية إلى أن نخلق لأنفسنا موسماً موحداً شبيهاً بموسم الصيام يستشعره الجميع ويعيش رحابه الصغير والكبير، المسؤول والموظف الصغير والمواطن العادي، كلٌّ من موقعه وكلٌّ حسب اختصاصه وكلٌّ بقدر صلاحياته ومسؤولياته، وفق برنامج شامل يحمل اسم الكويت حتى يستمد أهميته وعظمته، وترتقي خلاله مستويات الإخلاص والصدق والأمانة، وتمتنع فيه النفوس عن محرمات الإهمال والكسل والنفاق الاجتماعي، وتتورع عن أنواع الفساد الإداري والمالي، وتتحول أعمالنا فيه إلى عبادة وظاهرة وطنية لنستقبل بعده عيداً حقيقياً من الإنجاز والنجاح والتنمية.