قضية الناقلات والاستثمارات، مهما حاول البعض خلطها بأوراق أخرى، تبقى القضية الوطنية الأولى والجريمة الكبرى في حجم اختلاساتها، التي تجاوزت الـ 15 مليار دولار، وفي توقيتها أثناء مرارة العدوان العراقي وغضبها الشعبي، وهو أمر لن ينساه الكويتيون.

كعادتها حليمة .. قامت القيامة السياسية في الكويت بسبب استجواب جديد لوزير في الحكومة، وكالعادة أيضاً بدأت أسطوانة الحملة المناهضة للاستجواب تطنطن لشعارات إدخال البلاد في نفق مظلم وتعطيل سياسات التنمية وشل حركة الدولة والتصعيد والإثارة، وتحركت عجلة الابتزاز السياسي نحو الرضاعة من ثدي الاستجواب وتقتسم غنائم المناصب القيادية والامتيازات المالية، واستعرت حرب الصحف لصب الزيت على نار التصفيات وتسديد الفواتير القديمة، وأخذت «العصائص» التي تتحين الفرص لضرب الديموقراطية من خلال الدعوة إلى الانقلاب على الدستور تطل برأسها دون حياء برغم صفعة الحسم الأميرية.. والمضحك أن كل هذه العناوين تأتي بعد عبارة الاستجواب حق دستوري.. ولكن!

Ad

وإذا كان لكل استجواب حكاية ومقام، فإن استجواب وزير النفط يتميز بخصوصية تثري التجربة السياسية الكويتية في بعد غير مسبوق، فالشيخ علي الجراح، وحسب علمي، شخصية مسالمة وعلى علاقة طيبة مع الجميع، ولم تفرزه صراعات سياسية سابقة، بل لم تفتح ملفات القطاع النفطي في عهده بعد، ولم يكن على الإطلاق على أجندة الاستهداف السياسي لأي كتلة برلمانية حتى يروّج لاستجوابه بأنه محاولة إقصاء أو نتاج لخصومة شخصية أو خلاف سياسي، ولكن السيد الوزير بإرادته الذاتية أوقع نفسه في حفرة سياسية لن ينجو منها حتى لو تجاوز اختبار الاستجواب وطرح الثقة، مهما حاولت الحكومة إثبات حمايته، وسوف تبين الأيام القادمة سرعة تخليها عنه وفي وقت أقصر مما يتوقع، وعندها سيكون في حرج مزدوج خاصة بعد أن تبتلعه منصة المساءلة بشراسة لم يعهدها ولا يتحملها نفسياً ولا حتى موضوعياً، ويلتحق بعدها بقطار المنسيين كمن طواهم النسيان من قبل.

وأتمنى أن يقرأ الأخ الوزير بين سطور تصريحات القلة من النواب الذين أعلنوا مناصرته على استحياء، وكيف تركوا لأنفسهم خطوط رجعة وذلك بالاعتراف الصريح بأن سقطة الوزير كانت خطيئة سياسية قاتلة! فهؤلاء يستشعرون أجواء مناقشة الاستجواب والاستقطاب الجماهيري له، بل يعيشون هاجس حل المجلس كذريعة لركوب موجة الاستجواب في اللحظات الأخيرة، فقضية الناقلات والاستثمارات ومهما حاول البعض خلطها بأوراق أخرى تبقى القضية الوطنية الأولى والجريمة الكبرى في حجم اختلاساتها التي تجاوزت الـ 15 مليار دولار، وفي توقيتها أثناء مرارة العدوان العراقي وغضبها الشعبي، وهو أمر لن ينساه الكويتيون.

بل وأكثر من ذلك فإن الوزير الذي سجل تراجعين في موقفه من تصريحاته قبل تقديم الاستجواب سوف لن يجد بداً من الاستمرار في التراجع والمزيد من الاعتذارات على منصة المساءلة في إشارة صريحة الى الاستسلام السياسي الكامل لمستجوبيه، وهذا من شأنه أن يعمق جراحاته ويزيده ضعفاً في جلسة تاريخية سيشهدها جميع أهل الكويت.

ونصيحة أخوية صادقة إلى الأخ الشيخ علي الجراح ... اعلم أن من يدفعونك اليوم إلى الاستمرار في المواجهة من بعض التيارات السياسية والشخصيات المتنفذة لم ينبروا لنصرة شخصك، بل حسب ما تقتضيه أجندتهم ومصالحهم الخاصة، وثق بأنهم أول من يتخلون عنك، إن لم ينقلبوا عليك، وأمامك شواهد ليتك تراجعها وتتناصح مع من يخلصونك الرأي في أخذ العبرة منها، وتتمثل في جميع الاستجوابات التي قدمت للوزراء من أبناء الأسرة تحديداً، والتمعن في نتائجها وما آلت إليها في النهاية!!