لا تعريب ولا تدويل!
لم ينتصر «التعريب» الذي تُقصد به سورية تحديداً على التدويل الذي تُقصد به الولايات المتحدة، والمسألة من أولها إلى آخرها أن كل الأيدي التي تلعب في الساحة اللبنانية قد اتّفقت على اختيار رئيس جديد للبنان هو الجنرال ميشال سليمان، وكل واحدة منها لها حساباتها وتقديراتها.
لأنّ مشكلة لبنان ليست اختيار رئيس جديد للجمهورية ولا تشكيل حكومة وحدة وطنية ولا استبدال قانون الانتخابات التشريعية السابق بقانون آخر، فإنه يجب عدم التفاؤل كثيراً بأن هذا «الحل العربي» الذي تم التوصل إليه سيخرج «الزير من البير» وسيبعد الذئاب الإقليمية والدولية عن لبنان، وسيخلصه من كل هذه الكوابيس المرعبة التي يعيشها، وأولها وأخطرها العودة إلى الحرب الأهلية البغيضة المدمرة. لا شك في أن اختيار الجنرال ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، غير المضمونٍ حتى الآن، يشكّل خطوة في غاية الأهمية لأنه، إن هو حصل فعلاً، سيخلص لبنان من كابوس الفراغ الدستوري الذي يعيشه منذ أن غادر الرئيس السابق إميل لحود قصر بعبدا، والبسمة الباهتة العريضة تعلو وجهه، القصر الذي مكث فيه ولاية ونصف الولاية، والذي كان التجديد له أحد أسباب الأزمة المستفحلة الحالية. هناك من يقول إن هذا «الحل العربي»، الذي لم يَثْبُت بعد أنه حلٌّ حقيقيٌّ وفعليٌّ، قد قطع دابر «التدويل» لمصلحة «التعريب»، والحقيقة أن المشكلة لم تكن مشكلة تدويل وتعريب بل مشكلة أن «حزب الله» مستقوٍ بالدعم الإيراني، العسكري والمالي والسياسي، وبات غير راضٍ عن صيغة مؤتمر الطائف الذي وضع حدّاً لتلك الحرب الأهلية المدمرة المعروفة، وبات يسعى إلى تغيير هذه الصيغة القائمة على مسيحيين يمثّلهم الموارنة، ومسلمين يمثّلهم السنّة واستبدالها بصيغة طائفية جديدة مثلثة الأضلاع وعلى أساس سنّة ومسيحيين وشيعة. لم ينتصر «التعريب» الذي تُقصد به سورية تحديداً على التدويل الذي تُقصد به الولايات المتحدة، والمسألة من أولها إلى آخرها أن كل الأيدي التي تلعب في الساحة اللبنانية قد اتّفقت على اختيار رئيس جديد للبنان هو الجنرال ميشال سليمان، وكل واحدة منها لها حساباتها وتقديراتها، فدمشق لها حساباتها المتعلقة بانعقاد القمة العربية في إبريل المقبل، وطهران لها حساباتها المتعلقة بالمواجهة بينها وبين أميركا والدول العربية الأخرى التي شاركت في إنجاز ما تم إنجازه لها، وحساباتها المتعلقة بالوضع الفلسطيني، وبما يجري في العراق والتطورات الخطيرة المتوقعة المتعلقة باللجوء إلى القوة العسكرية بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية. لاجدال في أن إنهاء الفراغ الدستوري يشكل إنجازاً وخطوة مهمة بالنسبة لإيجاد حل للأزمة اللبنانية الملتهبة، لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار، حتى إذا لم تتعثّر محاولة الجامعة العربية الجديدة هذه، وتنتهِ إلى ما انتهت إليه محاولات سابقة، أنه لا يمكن الحديث عن حلٍّ فعلي وحقيقي ما لم يتم حل القضايا الرئيسة العالقة، وفي مقدمتها قضية سلاح «حزب الله» والمحكمة ذات الطابع الدولي. وأيضاً قضية ترسيم الحدود السورية–اللبنانية وتبادل السفارات بين الدولتين الشقيقتين. عندما اندلعت الأزمة المستفحلة الآن في لبنان فإنها لم تندلع بسبب الفراغ الدستوري المتعلق باختيار رئيس جديد للجمهورية اللبنانية بل بسبب التجديد للرئيس السابق إميل لحود لنصف ولاية، وانتفاضة اللبنانيين ضد الوجود العسكري السوري عندهم وقرار مجلس الأمن رقم 1559 واغتيال رفيق الحريري ومسلسل الاغتيالات الأخرى وتطلعات إيران الإقليمية والمحكمة الدولية المتعلقة باغتيال رئيس الوزراء الأسبق. ولذلك فإنه لا يمكن الحديث عن حلٍّ للأزمة اللبنانية ما لم يتغلب طرفٌ على طرف ويفرض نفسه على واقع الأمور في لبنان وفي المنطقة أو يتفق اللاعبون جميعهم على ما يمكن تسميته بالحد الأدنى، وهذا في حقيقة الأمر يبدو أنه غير ممكن وغير متوقّع مادامت المعادلة الإقليمية القائمة الآن هي هذه المعادلة، ومادامت مشكلة نزع سلاح «حزب الله» مستعصية على هذا النحو، ومادام هذا الحزب مدعوماً من الخارج، ولم يتخلّ عن هدف إعادة صياغة تركيبة المعادلة الطائفية اللبنانية الحالية.* كاتب وسياسي أردني