يشاع في لبنان نمط جديد من الثقافات وهو «ثقافة الرهان»، ليس الرهان بمعنى لعب الميسر والقمار، بل بالمعنى السياسي والايديولوجي، ويمكن تصنيف هذه الثقافة في اطار كليشيات «الممانعة» و«المقاومة» و«الصمود والتصدي» بل «الاحلام» و«الثورة المغدورة» وما على اللبنانيين الا انتظار المجهول.
راهن الشعب اللبناني على «الحياة الرخية» بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان، فتم ابتكار مسمار جحا في مزارع شبعا وعادت موجة الكر والفر، واللاسلم واللاحرب. وراهن الشعب اللبناني على الحياة الرخية بعد مغادرة الجنرال رستم غزالي منطقة المصنع على الحدود السورية، فلم يطل الرهان واشتعلت «حرب تموز» التي كان من ثمارها(عدا عن انصار حزب الله) خلل في السياسة الداخلية اللبنانية واعتصامات رخية (غنينسية) في وسط البلد، مرفقة بشعارات «الوحدة الوطنية» و«المشاركة» فضلا عن «السيادة». وبين الشعار والشعار يراهن كل فريق على انتصار ما، لا يعرف من أين يأتي! على ان دمشق «قلب العروبة النابض» بالخير والبركة و«حب لبنان» على الطريقة البعثية، لا تخفي نيتها انتظار نهاية عهد الرئيس الاميركي جورج دبليو كي تباشر بتسهيل عملية انتخاب رئيس لبناني سواء كان ميشال سليمان او غيره. يبوح زوار دمشق بأن الانتخابات الرئاسية في لبنان لن تحصل عام 2008 وان الأزمة ستطول، بحجة ان اي رئيس سيكون افضل من جورج دبليو، وهي تراهن على فوز مرشح من الحزب الديموقراطي لعله يشاركها في عملية اختيار رئيس لبناني متعاون معها ومع حلفائها في المعارضة اللبنانية. وكيفما فُسرت رهانات دمشق على تحول اميركا، ستكون النتيجة حملاً ثقيلاً يرزح تحته المجتمع اللبناني، بمختلف اطيافه. هذا «اللبنان»، الذي لكثرة ما يحبه شعبه جعله خندقا في خدمة الاغيار ومن اجل الاغيار، كان رهينة الصراع العربي الاسرائيلي، فأصبح رهينة الصراع الأميركي الايراني، من دون ان ننسى الصراع العربي العربي الذي تمتد ذيوله الى العمق اللبناني. كذلك تراهن الموالاة أي قوى 14 اذار على التحولات الدولية، ولكنها تتوجس في الوقت نفسه من «صفقة» اميركية سورية قد تكون على حسابها على الرغم من تطمينات جيفري فيلتمان وغيره من المسؤولين الاميركيين. ويراهن النائب ميشال عون على انتخابات نيابية مبكرة هي غير مرجحة، وقد يساهم في تعطيل اجراء الانتخابات الرئاسية الى بعد الانتخابات النيابية صيف 2009، مراهناً على الحصول من خلالها على اكثرية نيابية توصله الى الرئاسة من دون ان يدرك ان اقرار قانون جديد للانتخابات النيابية هو المعضلة الكبرى، والطامة الكبرى ان اللبنانيين اعتادوا مقاربة الانتخاب من زاوية تقسيم الدوائر ليس الا، وهو ما بات يعرف بالتفصيل على المقص بحسب المحامي زياد بارود، منذ قوانين الانتداب الانتخابية مرروا بقوانين جمهورية الاستقلال، وصولا الى اشباه قوانين في الحقبة السورية، ويبقى القاسم المشترك انها قوانين على قياس المرشح او المشترع وليس في خدمة الناخب. على ان ثقافة الرهانات تأتي دائما مرفقة بالاهانات، الشتم، القدح والذم، القتل الرمزي، الاغتيال الجسدي، وهي وان جعلت لبنان رهينة بين البلدان المتوحشة، إلا أن الخوف يزداد من ان تعيدنا الى حقبة خطف الرهائن في الثمانينات من القرن الماضي، حينها «لا يصلح العطار ما افسده الدهر».
توابل - ثقافات
ثقافة الرهان
30-03-2008