لا توجد ضمانات في الحب، ولا توجد نتائج محسومة سلفاً، يحضنا أصحاب الخبرة والعقلاء، ويحرضوننا على اللجوء إلى العقل قبل وخلال وبعد أي علاقة حب، وينصحوننا بإجراء العمليات الحسابية الدقيقة قبل «التورط» في الحب، ويلوموننا على اختيارنا غير المناسب للشريك عند فشل العلاقة معه، ويعيدون إسطوانتهم القديمة التي طالما رددوها على مسامعنا «وين كان عقلك؟!»!!!

Ad

في الحب لا ضمانات، مهما شحذت الفكر، ومهما اتكأت على عكازة العقل... لا ضمانات!

البعض لا يمانع في ضرب الرمل، وقراءة الفنجان والكف، وما تقوله الأبراج في الصحف اليومية، وذلك قبل وأثناء العشق، بل إن بعض القنوات الفضائية شاركت في الخديعة الكبرى، وقدمت الحل لهؤلاء المساكين على طبق من ذهب!! فقط إبعث اسمك واسم من تُحب، وستقوم القناة - مشكورة - بإخبارك عن مدى نجاح العلاقة بينكما:

ياسمين وأحمد: علاقة ناجحة!

رقيه وحسين: علاقة يسودها التوتر!

أحلام وخالد: علاقة رومانسية!

هكذا وبكل بساطة... ومن دون معرفة حقيقية بأي من الطرفين... ومن دون الحاجة إلى معرفة السمات الشخصية لكل منهما، أو ظروفهما النفسية والاجتماعية والمادية، ولا حتى هناك حاجة إلى معرفة لون عيونهما، فقط اسميهما ويأتيك الحكم في الحال على مصير هذه العلاقة!!!

هوس بنا لمعرفة الغد مع من نحب، نتوق إلى رؤية مستقبل حياتنا معه، نجرب كل الوسائل وكل الطرق للوصول إلى مصير عواطفنا، لكن... مهما فعلنا لا توجد ضمانات!

قد يكون لنا العذر في مخاوفنا تلك، لأننا نريد أن نطمأن على قلوبنا، على آمالنا، أمانينا، كلماتنا العذراء، خطوات أقدامنا، أجسادنا، لا نريد أن نرمي كل ذلك في المجهول، نخشى أن نصحى ذات يوم على فجيعة أن كل ما في العمر قد سُلب من دون وجه حق!

كل ذلك مُبرر، لكنه لا يؤدي إلى نتيجة ولا يمنع المحتوم.

الحقيقة الوحيدة في الحب... هي أنك لن تعرف من تحب إلا خلال حالة حبك له!! وهذه الحقيقة قد تكون بحد ذاتها فاجعة للبعض، لكنها الحقيقة.

الحب مغامرة كبرى، والخسارة فيه فادحة، لكن الربح - إن وُجد - أكبر بكثير من حجم الخسارة، وأنا أؤمن أن تلك المغامرة تستحق أن نخوضها حتى أقصاها، وأن نبحر في غمارها حتى الغرق، لذة الحب في رأيي تكمن في اكتشافه خلال معايشتنا له، أو معايشته لنا.

قالت لي صديقتي ذات يوم: وماذا لو اكتشفت بعد أن أعطيته كل ما لدي من حب، ودمع، وشمع، وسهر، وصبر، وقصائد عشق، وأغاني مطر، ولحظات مورّقة، أنه ليس الحبيب المطلوب؟!

قلت لها: تخيّلي أيضا لو كان هذا هو الشخص الوحيد على هذه الكرة الأرضية الذي طالما حلمت به، وأنه الحبيب المُنتظر، الذي لطالما كتبت رسائلك الزرقاء لحين أن يقرأها ذات يوم، ورتبت حدقتي عينيك ليتخذ مكانه فيهما، وحرصت على أن يبدو قمر قلبك صافيا ومضيئا ليسهر تحت نوره، وبذلت كل المساعي طوال العمر الفائت لتبقى نجوم روحك متيقظة لترشد خطواته عند دخوله بوابة القلب، لكن، لأنك أصغيتِ إلى صوت مخاوفك، حُرمتِ لذة الاستمتاع بكل هذا، لأنك غير متيقنة من أنه هو هذا الحبيب ولا أحد سواه.

فأيهما سيكون أكبر: ندمنا حين نكتشف أننا أحببنا الشخص الخطأ، أم ندمنا حين نفوّت الحبيب الصح؟!

بالنسبة لي لا مجال للمقارنة بين الندمين، إذ إن الثاني أكبر بكثير وأشد ألما، ولا مجال للتعويض فيه، أما الأول ففي أسوأ حالاته سيكون تجربة تضاف إلى رصيدنا الإنساني في معرفة عواطفنا، ومعرفة الناس، ومعرفة الحياة.

باختصار، لا تفوّتوا أي بارقة للحب ولو كانت ضئيلة، فقد يكون هذا الحب هو حب العمر الذي طالما عشنا ننتظره.