أخطاء أميركا وخطاياها!

نشر في 15-04-2008
آخر تحديث 15-04-2008 | 00:00
 صالح القلاب

ثبت أن الولايات المتحدة لم تستفد من تجاربها، حيث تحالفت مع تنظيمات الإسلام السياسي لإخراج جيوش الاتحاد السوفييتي من أفغانستان، لكن هذه التنظيمات ما إن انتهت من هذه المهمة وخرج المارد من القمقم، حتى استدارت ضد هذا الحليف فكانت ظاهرة الإرهاب التي استهدفت أميركا ومصالحها في كل مكان.

في مذكرتها إلى الرئيس الأميركي الجديد، الذي لم ينتخب بعد، حددت مادلين أولبرايت وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة والمحاضرة في جامعة جورج تاون أربعة أخطار تواجه أميركا الآن بعد اقتراب رحيل جورج بوش (الابن) عن البيت الأبيض هي:

أولاً، الإرهاب وتصاعد معاداة أميركا في العالمين العربي والإسلامي.

ثانياً، تراجع الإجماع الدولي في شأن الانتشار النووي.

ثالثاً، تنامي الشكوك في شأن قيمة الديموقراطية.

رابعاً، تماسك رد الفعل المادي للعولمة بسبب اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء.

والمشكلة هنا أن الأمور وصلت إلى ما وصلت إليه وانتهت إلى هذه الحقائق البائسة لأن الولايات المتحدة في ولايتي هذه الإدارة، الأولى والثانية، اعتمدت القوة المطلقة لمعالجة داء الإرهاب الذي لم يكن منتشراً ولا مستفحلاً على هذا النحو، ولفرض الديموقراطية التي اعتقدت أن غيابها بالنسبة لبعض دول الشرق الأوسط هو سبب هذا الإرهاب الذي ضرب في عام 2001 في عقر الدار الأميركية، وأيضاً لفرض العولمة ولمنع الانتشار النووي في المجالات غير السلمية.

كان الخطأ الفادح الذي ارتكبته إدارة بوش أنها أعلنت، بينما القوات الأميركية كانت تتجه نحو العراق، أنها قادمة لفرض الديموقراطية على هذه المنطقة بالقوة... وهذا جعل إيران وسورية ودولاً عربية أخرى تتخذ موقف الدفاع عن الذات وتعمل بأشكالٍ وطرق شتى لإغراق القوات الأميركية في وحول بلاد الرافدين ورمل صحاريها وهذا ما جرى خلال الأعوام الخمسة الماضية، وذلك خلافاً لتوقعات واشنطن التي اعتقدت أن غزوها سيكون بمنزلة نزهة عسكرية وأن مهمة جيوشها «العملياتية» ستنتهي بمجرد إزاحة تمثال صدام حسين مـن ساحة الفردوس في بغداد.

لقد قال كثيرون للإدارة الأميركية إن القوة العسكرية المفرطة لا يمكن أن تحل وحدها مشكلة الإرهاب، ونصحوها بأن عليها أن تعالج جذور هذه المشكلة، بحل القضية الفلسطينية الحل الذي يوفر بعض العدالة للفلسطينيين والذي يستجيب ولو إلى الحدود الدنيا من تطلعاتهم، وهذا في حقيقة الأمر لم يحصل حيث ركبت هذه الإدارة رأسها، واحتقرت القادة الفلسطينيين ووضعت كل بيضها في سلة اليمين الإسرائيلي المتطرف.

بل أكثر من هذا فإن إدارة الرئيس بوش بدل أن تعتمد على من تعتبرهم حلفاءها فإنها أهملت هؤلاء، واعتمدت على القوة العسكرية المتفوقة بل وهي في مرحلة من المراحل أصيبت بعمى الألوان، ولجأت إلى التفنن في إزعاج دول هذه المنطقة المعتدلة، وفتحت أبواب الحوار والاتصالات السرية مع التنظيمات الأصولية التي تعادي أنظمة هذه الدول، وتسعى إلى إسقاطها ولو بالتحالف مع «الشيطان الأكبر».

كانت نصيحة صقور البيت الأبيض رامسفيلد وديك تشيني وولفويتز للرئيس بوش «الابن» بأن عليه أن يغسل يده من هذه الأنظمة المعتدلة وأن يراهن على القوى الإسلامية الأصولية، وأن يستعين بها لمواجهة الإرهاب، وهكذا فقد أجرت واشنطن عبر ضباط الـ«سي.آي.إيه» وبعض موظفي وزارة الخارجية تلك الاتصالات السرية والعلنية التي أجرتها مع الإخوان المسلمين في مصر وفي الأردن ومع حركة «حماس»، وهذا دفع هذه القوى والتنظيمات إلى رفع درجة تحديها لأنظمتها والقيام بسلسلة من أعمال التشويش لإضعافها وإرباكها.

إنها مراهنة خاطئة، ولقد ثبت أن الولايات المتحدة لم تستفد من تجاربها حيث تحالفت مع تنظيمات الإسلام السياسي لإخراج جيوش الاتحاد السوفييتي من أفغانستان، لكن هذه التنظيمات ما إن انتهت من هذه المهمة وخرج المارد من القمقم، حتى استدارت ضد هذا الحليف فكانت ظاهرة الإرهاب التي استهدفت أميركا ومصالحها في كل مكان، وكان أسامة بن لادن الذي تخرج من مدارس الأجهزة الأمنية الأميركية، والذي تحول إلى أكبر عدوٍ للأميركيين، وأرسل إرهابييه ليضربوا في الحادي عشر من سبتمبر 2001 نيويورك وواشنطن في تلك العملية الإجرامية المعروفة.

* كاتب وسياسي أردني

back to top