غربان الشؤم!!
على الرغم من أن الموقف الأردني في دعم الفلسطينيين لا يحتاج إلى المزيد من الإيضاح والوضوح فإن هناك «غربان شؤم» تواصل النعيق وتواصل النفخ في أي تسريبات صحفية إسرائيلية، تهدف إلى التشويش على المواقف الأردنية على هذا الصعيد، وتسعى إلى خلق إرباكات داخلية للأردن لحمله على إيقاف دعمه ومساندته للشعب الفلسطيني الشقيق ولقضيته العادلة.
هناك جهات بعضها فلسطينية، تواصل الإصرار على التعاطي مع العلاقات بين الأردن والضفة الغربية على طريقة: «عنزة ولو طارت» وهذا يستجيب لرغبات اليمين الإسرائيلي الذي دأب على الترويج لتلك الحكاية القديمة التي حسمها الأردنيون بصورة نهائية باتخاذ قرار فك الارتباط الشهير بين الضفتين الغربية والشرقية في عام 1988، حيث أصبح موضوع الفدرالية والكونفدرالية الذي جرى الترويج له في مرحلة من المراحل لاغياً إلى أن تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة، وبعدها يقرر الشعبان الشقيقان الأردني والفلسطيني، طبيعة العلاقات بينهما.الآن يعتبر الأردن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة العمود الفقري لموقفه الاستراتيجي تجاه قضية فلسطين، وهذه مسألة محسومة وغير قابلة للتغيير والتبديل، وغير مرهونة بأي تطورات لا قريبة ولا بعيدة، وهي لا تخضع للمناورات والتكتيكات والألاعيب السياسية، فإقامة دولة الشعب الفلسطيني الشقيق فوق تراب وطنه وعلى الأرض التي احتلت في عام 1967 يعتبرها الأردنيون ضمانة استراتيجية لأمنهم الوطني ولاستقرار بلدهم ووحدة شعبه.لا عودة على الإطلاق بالنسبة للأردن إلى صيغة ما قبل احتلال عام 1967 بين الضفتين الغربية والشرقية ولا يمكن أن يقبل الأردنيون بمؤامرة التقاسم الوظيفي التي روّج لها الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، فهذا تآمر على حق الشعب الفلسطيني في أن يقرر مصيره بنفسه وأن يقيم دولته المستقلة فوق ما احتُل من أرضه في حرب يونيو الشهيرة، وله من الشعب الأردني التأييد والدعم والمساندة، وهذا هو الذي يجري الآن، حيث تحتل هذه المسألة موقع الأولوية في سياسته الداخلية والخارجية. لم يتوقف الملك عبدالله الثاني عن التأكيد تلو التأكيد على هذه المسألة، وهو في كل لقاءاته وتحركاته يضع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في موقع الأولوية، وهذا يعرفه العرب كلهم والعالم بأسره، ويعرفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) تمام المعرفة، ولكن ورغم أن الموقف الأردني على هذا الصعيد لا يحتاج إلى المزيد من الإيضاح والوضوح فإن هناك «غربان شؤم» تواصل النعيق وتواصل النفخ في أي تسريبات صحفية إسرائيلية، والهدف هو التشويش على المواقف الأردنية على هذا الصعيد، والسعي إلى خلق إرباكات داخلية للأردن لحمله على إيقاف دعمه ومساندته للشعب الفلسطيني الشقيق ولقضيته المحقة والعادلة.وآخر ما لجأ إليه غربان الشؤم هؤلاء هو السعي إلى تشويه خطوة الأردن الأخيرة بتزويد مدينة أريحا بالكهرباء، فهؤلاء الذين -لأنهم متآمرون- لم يجدوا تفسيراً لهذه الخطوة الشقيقة إزاء شعب شقيق عزيز إلا أنها بداية الخطوات لعودة الأردن إلى الضفة الغربية، وعلى غرار ما كان عليه الوضع عندما كانت قبل احتلال يونيو 1967 الجناح الغربي للمملكة الأردنية الهاشمية، وهذا غير صحيح ولا يمكن أن يكون الآن ولا في المستقبل القريب أو البعيد.هناك عربٌ معروفون ويعرفهم الجميع هم الذين حركوا غربان الشؤم هؤلاء لينعقوا كل هذا النعيق لتشويه خطوة وطنية وقومية، شريفة ونظيفة، ودافعها مواجهة استفراد الإسرائيليين بشعب شقيق وعزيز، وعلى غرار ما يجري الآن في غزة فهؤلاء العرب الذين بقوا يستغلون الفلسطينيين والقضية الفلسطينية استغلالاً بشعاً لتحسين مواقفهم في المعادلات الإقليمية والدولية لم يخجلوا من اختراع كذبة «أريحا أولا» والهدف هو تشويه الموقف الأردني الحازم والصادق والشجاع تجاه قضية فلسطين التي هي قضية الأمة العربية وقضية كل العرب الشرفاء.لا أريحا أولاً ولا رام الله ثانياً والموقف الأردني واضح وحاسم، وإذا كان هناك من بقي لعقود طويلة يذبح الفلسطينيين ويحاصر مخيماتهم في لبنان باسم القضية الفلسطينية وباسم الرسالة الخالدة والأمة العربية الواحدة فإن الأردن لا يعرف «التقية» السياسية ولم يعرف المتاجرة بهذه القضية المقدسة، ولذلك فإنه لا يمكن أن يلجأ، كما يفعل غيره إلى استغلال ضعف الأشقاء الفلسطينيين في أخطر مرحلة تمر بها قضيتهم، ويصادر حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم وإقامة دولتهم المستقلة التي يعتبر الأردنيون قيامها هدفاً استراتيجياً لا رجعة عنه ولا يقبل التكتيك والمناورات.* كاتب وسياسي أردني