كادركم أحسن من كادرنا!

نشر في 21-11-2007
آخر تحديث 21-11-2007 | 00:00
 أحمد عيسى

إن ما شهدته البلاد خلال الأسبوعين الماضيين أمر غير مقبول، ممن اؤتمنوا على مصالح الدولة، برغم إيماننا بحق الموظف في التعبير عن رأيه، وإيصال مطالبه إلى المسؤولين، شريطة عدالة المطلب واستقامة الطرح، والأهم عدم التعرض لمصالح الآخرين، وأعني الدولة، أو التأثير على حقوق المستفيدين من خدماتها.

مع ارتفاع أسعار النفط، وانعكاسها إيجاباً على ميزانية الدولة، وفي ظل تفشي ثقافة الدولة الأبوية التي تنصف الأطباء ومربّي الماشية وعمال النفط على حد سواء من تقلب الحال، ومع تنامي روح الاستحواذ على كل ما أمكن، من الطبيعي أن يقرر موظفو الحكومة رفع رواتبهم بما يتواءم مع الطفرة التي تشهدها الأسواق العالمية، حتى لو أدى ذلك إلى تعطيل البلد، وشل الحركة فيها.

خطورة هذا الطرح تكمن في تحول الوظيفة العامة إلى وسيلة إثراء، لا مجرد وظيفة يؤدي صاحبها عملاً يتقاضى أجراً مقابله آخر الشهر، وبرغم إيماني بحق الموظف في التعبير عن رأيه، ومع أي توجه يقوم به لإيصال مطالبه، شريطة عدالة المطلب واستقامة الطرح، والأهم عدم التعرض لمصالح الآخرين، وأعني الدولة أو التأثير على حقوق المستفيدين من خدماتها، فإن ما شهدته البلاد خلال الأسبوعين الماضيين أمر غير مقبول ممن اؤتمنوا على مصالح الدولة.

موظفو الطيران المدني قرروا (وحدهم) أنهم يستحقون بدلاً مالياً أعلى مما يتقاضونه حاليا، فاعتصموا وعطلوا حركة الطيران ثم عادوا وهددوا بغلق المطار يوماً كاملاً، هذا في بداية الأسبوع الجاري، ومثلهم يريد موظفو الموانئ المفترض اليوم الأربعاء، وبعدهم موظفو قصر العدل الأسبوع المقبل.

أما الأسبوع الماضي، فكان موعدنا مع استقالات جماعية قدمها الأطباء، وسبقها إضراب لموظفي الكويتية، وأنباء عن نية آخرين اللجوء إلى التحرك نفسه، وقاسم هؤلاء جميعاً الضغط على الدولة لإقرار زيادات مالية لهم، ليس لاستحقاقهم لها، بل بداعي شعورهم بغبن من شرائح تحصلت على زيادات مالية أكثر منهم في السابق، ورغبة في الحصول على نسبة أكبر من الدخل المقرون بارتفاع أسعار النفط الذي يؤمن الموظف الكويتي أنه شريك أساسي فيه.

المأساة، أن هذه المطالبات تأتي من موظفي القطاع العام، ولأكن واضحاً، أعني الكويتيين تحديداً، وعن طريق نقابات ومؤسسات يفترض فيها حماية حقوقهم لا المطالبة بزيادات مالية لهم، كما يحدث هذا طبعاً برعاية حكومية ونيابية، بينما أقرانهم في القطاع الخاص ممن يمارسون العمل نفسه، لا يفكرون بالمنطق ذاته، وحتماً زملاؤهم في العمل من غير الكويتيين كذلك، برغم أنهم يقومون جميعاً بالعمل ذاته.

في الأسبوع الماضي وفيما كان الأطباء الكويتيون يوقعون استقالاتهم الجماعية، أعلن عمال السكة الحديد وقطارات الأنفاق في فرنسا إضراباً شاركتهم فيه نقابات أخرى، والسبب الدخول في مفاوضات مع الحكومة لإصلاح أنظمة التقاعد، وأرجو أن تتوقفوا أمام ثلاث نقاط قبل المقارنة؛ الأولى، أنهم عمال يشتغلون وليسوا موظفي دولة. والثانية، الدخول في مفاوضات. والثالثة، إصلاح أنظمة التقاعد. بينما أقرانهم الكويتيون قرروا بمزاجهم رفع رواتبهم وعطلوا حركة الطيران بكل استهتار ولا مبالاة.

الإضراب عن العمل حق مشروع للعامل، يلجأ إليه متى ما تأكد من مشروعية مطالبته، ثم تعذر مفاوضاته مع رب العمل، وتصعيده بالتدريج قبل أن ينتهي إليه، وعادة ما تتخذ النقابات العمالية هذا التحرك لتحسين ظروف عمل منتسبيها، ولكن لأننا نعيش في مجتمع ريعي تشرف عليه حكومة أبوية، فإن الصورة لدينا معكوسة، إذ تدور المطالبات حول زيادات مالية وميزات وظيفية، لأن موظفينا بكل بساطة لا يعملون، ويتقاضون رواتب نظير عدم عملهم، ويريدون ميزات وزيادات، وتدعمهم في ذلك فرق داخل الحكومة والمجلس.

سؤالي، إذا كان اعتصام موظفي الطيران المدني صباح أمس الأول تم بمشاركة 80% منهم، ما يعني تمكن 20% من موظفي الطيران المدني من تسيير حركة الملاحة الجوية، ألا يفتح هذا مجالا للتساؤل عن جدوى وجود الـ 80% على رأس عملهم، قبل أن يطالبوا بزيادة رواتبهم؟!

back to top