Ad

هناك فارق بين الحصانة البرلمانية التي تنص عليها المادة (110) من الدستور، والحصانة القضائية التي تنص عليها المادة (111) من الدستور، فالأولى حصانة تغطي أعمال النائب في البرلمان ولجانه، أما الثانية فتتعلق بالحصانة القضائية، التي أطلقت عليها اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الحصانة النيابية، فهي تحتاج إلى نص دستوري يقررها، لأنها تبسط حمايتها على النائب في كل ما يعرض للنائب من أفعال مؤثمة جزائياً يوجه إليه الاتهام بارتكابها داخل مجلس الأمة أو خارجه.

النقاش الذي يدور هذه الأيام حول الحصانة البرلمانية، يحتاج منا إلى وقفة، لوضع النقاط فوق الحروف في موضوع اختلفت الكتابة فيه هذه الأيام وجذب اهتمام الناس ولعله أثار بعض الاضطراب الفكري.

وبادئ ذي بدء، فإنه لابد من التنبيه إلى أن هناك فارقاً بين الحصانة البرلمانية التي تنص عليها المادة (110) من الدستور، والحصانة القضائية التي تنص عليها المادة (111) من الدستور، فالأولى حصانة تغطي أعمال النائب في البرلمان ولجانه، لذلك يطلق عليها الحصانة البرلمانية لأنها تكفل للنائب حرية التعبير عن آرائه وأفكاره في اجتماعات البرلمان ولجانه، من دون أن يتعرض النائب للمؤاخذة من أي سلطة كانت، لذلك لا ترفع عن العضو عند انتهاء دور الانعقاد، بل تظل لصيقه به عند حضوره اجتماعات اللجان في غير أدوار الانعقاد، ولهذا فإن هذه الحصانة ليست في حاجة إلى نص دستوري يقررها، في البلاد التي ليست فيها جرائم رأي، على عكس الحصانة القضائية التي أطلقت عليها اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الحصانة النيابية، فهي تحتاج إلى نص دستوري يقررها، لأنها تبسط حمايتها على النائب في كل ما يعرض له من أفعال مؤثمة جزائياً، يوجه إليه الاتهام بارتكابها داخل مجلس الأمة أو خارجه، وبالنسبة إلى إجراءات التحقيق والتفتيش أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي آخر، التي لا يجوز اتخاذها في مواجهة النائب إلا بإذن المجلس، عندما يتثبت المجلس، عبر الاطلاع على أوراق القضية المطلوب رفع الحصانة بسببها أو مستنداتها، أن الدعوى الجزائية غير كيدية.

لذلك كانت الحصانة القضائية، حصانة غير مطلقة، بل حصانة مقيّدة، عندما تقوم حكمتها، وهي أن يكون القصد من الدعوى الكيد للعضو، لمنعه من أداء عمله النيابي والحيلولة بينه وبين حضور اجتماعات أو اجتماع للبرلمان، الذي سوف تناقش فيه مسألة أعلن العضو رأيه فيها، وقد يكون صوته مرجحاً لقرار يصدر في هذه المسألة على النحو الذي رآه وفقاً للتوقعات التي رصدتها أجهزة الرأي العام، أو قد يقنع غيره من الأعضاء –عند حضوره– بهذا الرأي.

ولأنها حصانة مقيدة، فإنها لا تبسط حمايتها على عضو البرلمان إلا أثناء دور الانعقاد، وترفع عنه تلقائياً فور انتهائه، لتعود إليه في دور الانعقاد التالي، إذ يكتفي الدستور الكويتي بإخطار مجلس الأمة في أول اجتماع له بالإجراءات التي تم اتخاذها ضد العضو بين أدوار الانعقاد، على خلاف بعض الدساتير التي تقرر بقاءها بين أدوار الانعقاد مع تفويض مكتب البرلمان أو رئيسه في رفعها عنه.

وهي حصانة لا تمنح لأعضاء البرلمان كامتياز خاص أو لتحويلهم إلى طبقة مميزة في الدولة، بل تمنح لهم حماية للممارسة البرلمانية، فهي حق الأمة مصدر السلطات، أو كما يقول الأصوليون حق الشرع، لهذا لا يجوز للنائب النزول عنها إلا بإذن البرلمان، كما لا يجوز الإفراط أو التفريط في رفعها، لما يترتب على الإفراط من ضرر يصيب هذه الممارسة، ولما يترتب على التفريط فيها من ضرر يصيب الشرعية، حين لا يطمئن المواطنون إلى أن مبدأ المساواة أمام القانون وأمام القضاء هو مبدأ مصون ومكفول، كما لا يجوز أن يخضع البت في طلب رفع الحصانة البرلمانية لاعتبارات المواءمة السياسية أو لتصنيف الأعضاء حسب انتمائهم السياسي لحزب أو لتيار معين، كذلك لا يجوز أن يخوض البرلمان عند البت في هذا الطلب في توافر الأدلة أو عدم توافرها لما ينطوي عليه ذلك من إخلال بمبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء.