لعبة توازن القوى بين ملك الأدوار وقائد الحرب والسلام!
إنه الرجل الذي لم يؤمن يوماً بوجود تناقضات مستحيلة الجمع، بل آمن ولا يزال على العكس من ذلك، بأن كل شيء ممكن في عالم السياسة! شرط أن تبقى عين اللاعب دوما على المبادئ الأساسية للثورة والوطن والدين بوصفها المظلة التي تحميه، وهو يلعب لعبة «القط والفار» مع الخصم الخارجي، من دون إفراط أو تفريط.
إنه تحول مهم وملحوظ في الحراك الداخلي الإيراني من دون ترديد أن يصبح الرئيس الأسبق أكبرهاشمي رفسنجاني رئيساً لمجلس خبراء الدستور، رفسنجاني الذي يصفه المحافظون دوماً بأنه «تاريخ الثورة» ، ووصفه زعيم الإصلاحيين الرئيس خاتمي ذات يوم عاصف من أيام نزاع رهطه المتشدد معه بأنه «بطاقة تعريف الثورة»، ويصفه خصومه الدائمون بأنه «ثعلب السياسة والفكر»! رفسنجاني الذي برز دائما بمنزلة «ملك اللعبة» في الحراك الداخلي الإيراني في مراحل الثورة الإيرانية كلها، أو «رجل كل الفصول» من أيام مجلس قيادة الثورة الأولى إلى عرش الزعامة الذهبي الراهن»، إنما يكمن سر بقائه في أنه بمنزلة «بيضة القبان» باستمرار، مهما كانت وضعية الحدث الإيراني, إلا أنه عشق، ولا يزال، دور الموازن بين القوى والحريص على الوجود والحضور في كل المواقع مديراً للصراع من دون «إراقة» ماء وجه أحد، فضلا عن دمه أو كسر عظمه! إنه الرجل الذي لم يؤمن يوماً بوجود تناقضات مستحيلة الجمع، بل آمن ولا يزال على العكس من ذلك، بأن كل شيء ممكن في عالم السياسة! شرط أن تبقى عين اللاعب دوما على المبادئ الأساسية للثورة والوطن والدين بوصفها المظلة التي تحميه، وهو يلعب لعبة «القط والفار» مع الخصم الخارجي، من دون إفراط أو تفريط. ولعبة توازن القوى في الداخل على قاعدة لا جبر ولا تفويض، إنما هو أمر بين أمرين! الرجل الذي يبدو اليوم وكأنه الأكثر تأهيلاً، وفق بعض العارفين ببواطن الأمور، رغم كل ماجرى له أو من حوله أن يفتح ثغرة حقيقية في جدار انعدام الثقة بين طهران والعالم الغربي، يجلس اليوم مجدداً على ناصية الزعامة لمجلس يفترض أنه المسؤول عن اختيار المرشد وتعيينه، ومن ثم الإشراف على بقاء الشروط التي تمكنه من استمرارية توليه لسدة القيادة! أول ما قام به الرئيس رفسنجاني هو الإعلان الصريح الذي لا لبس فيه بأن سعيه الأول سيكون باتجاه «تفعيل دور هذا المجلس»، لكنه سرعان ما استدرك بذكائه وحنكته المعهودين أن المهمة الأولى، أي اختيار المرشد وتعيينه، «لن تحصل في عمرنا لأن المرشد الحالي أكثر شباباً وأكثر حيوية منا» وهذا اعتراف صريح بالواقع وبلعبة التوازن الضرورية لاستمرار المهمة أيضاً. فالرجل أصغر منه سناً وأكثر إمساكا بتلابيب موازين القوى الداخلية، كما أثبتت الأحداث من دون منازع! غير أنه عاد واستدرك من جديد بالقول «إن من واجبات مجلس الخبراء الأخرى الإشراف على الذين يعملون تحت سلطة المرشد»، وهنا قد يكون بيت القصيد في قوله إنه سيسعى جاهداً الى تنشيط دور مجلس الخبراء! لأن هذا سيعني الإشراف والتأكد أن كل شيء يجري على ما يرام في المهام التشريعية التي يتقاسمها مجلس الشورى الإسلامي ومجلس صيانة الدستور، والأخير يعين نصف أعضائه المرشد كما هو معلوم. ومن ثم أيضا الإشراف على المهام التنفيذية أي القوانين التي تسنها الحكومة وتنفذها هي ومجلس الأمن القومي الأعلى، وكلاهما لا يعملان كما يفترض إلا بما يبلغان به من السياسات العليا عبر مؤسسة القيادة المكلفة برسمها وإبلاغها لهما باستمرار، وهي المهمة التي تدوَّن بدورها في لجان متخصصة تابعة لمجلس «تشخيص مصلحة النظام» الذي، وإن كان يرأسه رفسنجاني حالياً، إلا أن من مهام مجلس «خبراء القيادة» الإشراف على عمل الأول أيضا بما يخص المهام المحولة إليه من المرشد! الأمر نفسه ينطبق على سياسات حرس الثورة الإيراني بالسياقات الأنفة الذكر نفسها، مع العلم أن مهام إعلان الحرب والسلام والنفير العام هي من صلاحيات المرشد، الذي هو القائد العام للقوات المسلحة طبقا للدستور. وتنشيط دور مجلس الخبراء للقيام بكل ما أشير إليه آنفا سيعني في ما يعني استحداث آليات معينة جديدة تقوم بهذه المهمة على ما يرام من دون إفراط أو تفريط! إنها لعبة توازن القوى الدقيقة والشديدة الحذر تعود مرة أخرى بين الرجلين الصديقين الحميمين على مدى نحو نصف قرن من العمل المشترك والأقرب إلى بعضهما بعض، لكنهما الأكثر «تجرؤاً» على بعضهما أيضا!فهما رفاق درب الحرب والسلام اللذان جربا بعضهما بعضاً في أكثر من محطة عصيبة ولم يفترقا إلى حد التباعد، لكنهما لم «يتطابقا» دوما كذلك! إنه تقاسم الأدوار حيناً، وتداولها حيناً آخر، وتداخلها أو احتكاكها في لعبة حراك الدولة والمجتمع الإيراني الشديد الحساسية والتعقيد في بعض الأحيان! * الأمين العام لمنتدى الحوار العربي- الإيراني