إن ما يجمع بين العرب والإيرانيين هو قطعاً أكثر بكثير مما يفرّق بينهم، ثم ليس عيباً ولا نقصاً في العلاقات بين الدول حتى بين تلك التي تملك روابط استراتيجية في ما بينها أن تكون بعض تكتيكاتها متفاوتة، لأن ذلك قد يشكل غنى وثراء ويمنح العمل الجماعي دفعاً أكبر.عندما يكون أحمدي نجاد ضيف شرف في قمة التعاون الخليجي فإن ذلك لاشك علامة مشجعة على غلبة معادلة العقل الجمعي العربي في التعامل مع الملفات الحرجة والمثيرة للجدل!
تماماً كما أن تفهّم طهران للتكتيك السوري في حضور اجتماعات أنابوليس يمكن اعتباره علامة مشجعة على غلبة العقل الجمعي الإيراني في التعامل مع ملفات مشابهة!
ذلك أن ما يجمع بين العرب والإيرانيين هو قطعاً أكثر بكثير مما يفرّق بينهم، ثم ليس عيباً ولا نقصاً في العلاقات بين الدول حتى بين تلك التي تملك روابط استراتيجية في ما بينها أن تكون بعض تكتيكاتها متفاوتة، لأن ذلك قد يشكل غنى وثراء ويمنح العمل الجماعي دفعاً أكثر مما لو كان أعضاء التجمعات الإقليمية صوراً مستنسخة عن بعضها البعض، كما كانت الحال مع الأطراف التي شكّلت يوماً المعسكر الاشتراكي المعروف بقيادة الاتحاد السوفييتي سابقاً.
فقبول وجود التفاوت في التكتيك ينبغي أن يكون أمراً مقبولاً، وكذلك وجود التفاوت في القراءات للأحداث والوقائع يجب أن يصبح أمراً مفروغاً منه، لا بل إن الاختلاف في طرق المواجهة وسلم الأولويات لكل قطر أو بلد أو قوة من القوى المتحالفة في إطار رؤية استراتيجية معينة ينبغي أن يصبح أمراً مألوفاً لسبب بسيط هو أن تلك هي سُنّة الحياة ولا تبديل لسنّة الله!
المشكلة تبدأ عندما يحاول أحد الأطراف فرض رؤيته أو قراءته بالقوة على سائر الأطراف، والأخطر من ذلك عندما يتحول أمر التفاوت والاختلاف إلى خلاف وتنازع، ومن ثم نبدأ في الخلط بين المفاهيم ويصبح التكتيك استراتيجيا والاستراتيجيا هدف!
فالهدف والاستراتيجيا مختلفان، ومن ثم فإن كل بلد أو قطر أو قوة تملك من الإمكانات والقدرات غير التي تملكها الأخرى.
نعم لابد من السعي الجدي وبذل الغالي والنفيس من قبل الأطراف المؤتلفة أو المتحالفة على الاتفاق الكامل على الأهداف، ومن ثم بذل السعي نفسه لتوحيد الاستراتيجية المناسبة لكل مرحلة بقدر الإمكان، بينما المطلوب إبقاء باب الاجتهاد مفتوحاً في العمل التكتيكي الذي يعتبر من المتغيرات وليس الثوابت، ذلك أن الثابت الوحيد هو الهدف الغائي للأمة وهو التحرر وانتزاع الاستقلال الناجز وعدم قبول التفريط بالحق الفلسطيني المشروع مهما ضاقت الدنيا بالعرب والمسلمين!
نعم ثمة تفاوت في الرؤية الاستراتيجية بين مجلس التعاون وطهران وليس فقط في التكتيكات المستعملة، لكن ذلك يجب ألا يتحوّل إلى مادة للتنازع قدر الإمكان إذا ما عرفنا أن التحديات واحدة وبالتالي فإن الأهداف الغائية للعمل السياسي يجب أن تكون واحدة!
ونعم أيضاً ثمة تفاوت في العمل التكتيكي بين دمشق وطهران في التعامل مع الأحداث والوقائع الشرق أوسطية، لكن ذلك لا يمنع أبداً من إبقاء التحالف الاستراتيجي بين العاصمتين محصناً!
حسناً إذاً فعلت دول مجلس التعاون عندما دعت أحمدي نجاد لتستمع إليه مباشرة ومجتمعة، كما أن من الطبيعي والمتوقع أن نسمع تأكيداً مستمراً من دمشق على أن علاقاتها الاستراتيجية مع طهران ليس محل تلاعب ولن تكون محل مساومة مع أحد كلما اقتضت الحاجة السورية لتكتيك ما تعتبره هي مناسباً لها ولا يتعارض مع رؤيتها الاستراتيجية المشتركة مع إيران!
المهم أن يرتقي العرب والمسلمون إلى مستوى التحديات الخطيرة التي تلم بالأمة وأن يحوّلوا هذه السياسات إلى منهج دائم يحصنهم من اختراقات العدو الاستراتيجي! فالمهم هو أن يبقى اتجاه البوصلة صحيحاً ونصلّي جميعا إلى قبلة واحدة، وبعد ذلك ليس مهماً ماذا نقرأ في القنوت! شرط أن نسبّح لله دوماً ولا نفرّط بفلسطين أم القضايا والأهداف!
* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي-الإيراني