على هامش القمة
لعل اللحظات القليلة التي توحدت فيها إلى حد كبير، إيحاءات الصوت والصورة، هي نقل المؤتمر الصحفي في ختام القمة بين الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ووزير الخارجية السوري وليد المعلم. هذا المؤتمر الذي كان «ممانعا» بامتياز، خلا في معظمه من مشاغبات الإعلام المحسوب على «المعتدلين» وحرم وسائلهم الإعلامية من فرص التأويل والاختلاف.
بالتزامن مع انعقاد القمة العربية في دمشق، تعرض عدد من المواقع الإلكترونية الرسمية وشبه الرسمية في سورية إلى هجوم إلكتروني من قبل «مجهولين». وسائل الإعلام المختلفة تباينت معلوماتها بصدد منفذي هذا الهجوم بدءا من جهات معارضة خارج سورية، مرورا بمواطنين لبنانيين وسعوديين، وصولا إلى أوروبيين! الحدث بحد ذاته وبغض النظر عن منفذيه، مثير للانتباه، سواء لجهة توقيته أو لجهة إضافته -ولو لساعات معدودة- بعض المواقع الرسمية إلى قائمة عشرات المواقع المحجوبة من قبل السلطات السورية. لكنه بالتأكيد لم يؤثر في المشهد الإعلامي المرافق للقمة، والذي كانت شاشات الفضائيات العربية صانعته بامتياز. لا أعتقد أن حدثا عربيا أو غير عربي، على هذا المستوى، شهد تغطية إعلامية متباينة حد التنافر، كما حصل في تغطية القمة العربية في دمشق. بكبسة زر وخلال ثوان معدودة، ينتقل المشاهد من «تضامن» إلى «شرذمة» ومن «كل العرب» إلى «نصف العرب» ومن «الحضور الكبير» إلى «الغياب الكبير» ومن النجاح المطلق إلى الفشل بدرجاته المختلفة، ومن تعداد الحاضرين إلى تعداد الغائبين. كان الخبر الواحد أحيانا ينقل في اللحظة نفسها على فضائيات مختلفة، بمعان تبدأ من أقصى السلبية والكثير من النقد إلى أقصى الإيجابية والكثير من الترحيب، وما بينهما من «اعتدال» يحتمل الرأيين. وأحيانا كان يصعب تمييز تصريح معين لمسؤول عربي من تأويل هذه المحطة أو تلك لذلك التصريح وتقديمها إياه للمشاهدين. لم يبد الأمر وكأنه استغلال «طبيعي» للإعلام المرئي في نقل وجهة نظر الجهة المالكة أو المديرة لهذه المحطة أو تلك، وحقها الذي تراه مشروعا في تكوين الرأي العام العربي وفقا لما تعتقده صحة أو بطلانا. بل كان أقرب إلى حرب مفتوحة لا تحاول أن تخفي نفسها، بل جل ما تبغيه، هو الإعلان عن نفسها. في لحظات كثيرة من احتدام هذه الحرب الإعلامية، يكاد المشاهد يلمح كائنا خفيا يطل من وراء الشاشة لا تظهر منه غير ابتسامة صفراء ولسان حاله يقول، لمثل هذه الأوقات يمتلك المرء هكذا وسيلة إعلامية. حتى أن قناة مثل البي بي سي العربية، حاولت أن تبقى موضوعية عبر تغطية مختلف الآراء وبالتناوب، ظهرت وكأنها «خارج المعركة»، فلم تستطع المنافسة على المشاهدين، لا من مؤيدي الاعتدال ولا من أنصار الممانعة. فلكل من هؤلاء قناتهم أو قنواتهم الفضائية التي تعكس «انتماءهم» أو تأييدهم لأحد الطرفين. لا أقول إن ذلك لم يكن ممتعا إلى حد ما! فهي من المرات القليلة التي تمارس فيها الأنظمة العربية فيما بينها وعبر إعلامها المرئي، مثل هذا «التنوع» و«الاختلاف»، وهي التي ما وفرت جهدا في فرض الأحادية والوحدة والتوحد والأوحد... على شعوبها فرادى وجماعات.كما أنه يعطي الأجيال الحالية التي عايشت مرحلة ما قبل الفضائيات، فرصة تذكر ما كانت عليه الأمور يوم كان الإعلام الرسمي هو الوحيد المتاح، والإحساس بالنعيم الإعلامي الذي تعيشه حاليا بلا مبالغة. لكن مجمل الأمر، أن شعورا بالدوار قد يصيب المشاهد بعد قليل من التنقل بين المحطات المختلفة، إذا لم يكن حاسما أمره تجاه جميع القضايا كبيرها وصغيرها. ولن يتاح له التأكد، فيما إذا كانت العلاقات العربية -العربية، سمنا على عسل، أم العكس، وهل الخطر الآتي إلى المنطقة، من الشرق أم من الغرب، وهل المسؤول الفلاني قال كلاما مشجعا أم ألقى تهديدا مبطنا، وهل الوحدة العربية تدق الباب أم أنها حرب قادمة، وهلم جرا. ولعل اللحظات القليلة التي توحدت فيها إلى حد كبير، إيحاءات الصوت والصورة، هي نقل المؤتمر الصحفي في ختام القمة بين الأمين العام للجامعة العربية عمر موسى ووزير الخارجية السوري وليد المعلم. هذا المؤتمر الذي كان «ممانعا» بامتياز، خلا في معظمه من مشاغبات الإعلام المحسوب على «المعتدلين» وحرم وسائلهم الإعلامية من فرص التأويل والاختلاف. وكأن مجمل الصحافيين ممن طرحوا الأسئلة، كانوا مأخوذين بعبق الإعلام السوري وأسلوبه في طرح الأسئلة المجاب عنها سابقا، والتقديم لها عدة دقائق بما يناسب المقام، من دون نسيان بعضهم ممارسة مواهبهم في «خفة الظل» في غير محلها. * كاتبة سورية