ثمة رهان آخر يتجسد في مقولة «البقاء للأصلح»، نتمنى أن تكسبه الصحافة الجديدة، والبقاء هنا ليس بالضرورة الاستمرار في الصدور على حساب الإعلان التجاري، وإنما بمحاكاة واقع المجتمع وهمومه وبروز صحافة الجرأة والمصداقية.

مع إطلالة «الجريدة»، تكون شمعة جديدة قد أضيئت في عالم الصحافة المحلية، بل ولأول مرة يمكن القول إنها لن تكون الصحيفة الأخيرة في الكويت، فمن المؤكد أن ترى صحف جديدة النور في القادم من الأيام، وذلك بفضل إقرار قانون المطبوعات والنشر الجديد.

Ad

وبرغم الانتقادات والملاحظات التي بدأت تثار حول بعض مواد هذا القانون، خاصة ما يتعلق بحقوق الصحافيين وإجراءات التقاضي والعقوبات، التي تستحق المراجعة والمناقشة، لكن القانون قد غرس مبدأين أساسيين في بنى الديمقراطية الكويتية هما كسر الاحتكار الصحفي ومن ثم الإيذان بانطلاق حرية الرأي ورفع سلطان الحكومة المباشر على الصحافة عبر الإغلاق الإداري.

وعلى الرغم من الجهود المتواصلة جيلاً بعد جيل لتحقيق هذا الطموح على صعيد الاقتراحات النيابية والمطالبات الصحفية والندوات العامة على مدى نصف قرن، وهي جهود مشكورة ساهمت في هذا البناء التراكمي، فإن اسم الدكتور أنس الرشيد سوف يبقى خالداً ما خلدت الصحافة الكويتية، إذ حمل شعار «أكون أو لا أكون» لإقرار قانون الصحافة، فعلى مدى ثلاث دورات برلمانية وعضويتي في لجنة التعليم والثقافة والإرشاد بمجلس الأمة شهدت تعاقب العديد من وزراء الإعلام، وكنت أكرر على مسامعهم بأن صدور هذا القانون في عهد أي منهم سوف يرتبط عضوياً باسمه ويودع في التاريخ الكويتي وذاكرة الصحافة للأبد. ولكن يبدو أن الدكتور أنس هو الذي اختار هذا القدر بحزم وإرادة كسر من خلالهما حالة الاستصغار التي يتعذر بها الكثير من الوزراء ممن يمارسون دورهم كموظفين كبار ويعلقون إخفاقاتهم على شماعة تصلب القيادة السياسية، خاصة ما يتعلق بتحجيم الديموقراطية، وإلا كيف بذاك الوزير الشاب الذي لم يملك الخبرة السياسية ولم يتدرج بمراكز الحظوة يواجه مجلس وزراء ويفرض هذه الإرادة بنجاح في رهان على مصداقيته ومستقبله السياسي؟!

وثمة رهان آخر يتجسد في مقولة «البقاء للأصلح» نتمنى أن تكسبه الصحافة الجديدة، والبقاء هنا ليس بالضرورة الاستمرار في الصدور على حساب الإعلان التجاري، وإنما بمحاكاة واقع المجتمع وهمومه وبروز صحافة الجرأة والمصداقية.

فالرأي العام الكويتي في مرحلة جديدة من التشكّل وبحاجة إلى فكر حر وثقافة حية يحددان مساره عبر نقلة نوعية في تحد كبير للصحف الجديدة والقديمة على حد سواء، فالوعاء الصحفي كبير والأذواق متعددة والرأي العام السياسي متنوع ويتقاطع طولاً وعرضاً بل في جميع الاتجاهات، ولعل الجميع يستطيع أن يغرف من هذا الوعاء الصحفي، ولكن السؤال الأهم: هل الصحافة بثوبها الجديد قادرة على تحديد ملامح الثقافة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الكويتي أم إن تنوع الثقافات والرؤى المحدودة الموجه مذهبياً وقبلياً وطبقياً سوف تفترسها وتعمق جراحاتها بين ثنايا اهتماماتها ومصالحها الضيقة؟! وتبقى هذه تكهنات متروكة للزمن، أما القدر المتيقن والمرجو من الصحافة المقبلة، فهو المساهمة في كشف الكم الهائل من عورات التخبط والفشل والتخلف في جميع مرافق الدولة ومستوى الخدمات فيها، وفضح الفساد بنوعيه الإداري والمالي، ورصد الظواهر السلوكية الجديدة والمخيفة بين أوساط الشباب والتي نأمل أن تكون محاور ارتكاز في تداولها وتشخيصها وطرح طرق العلاج لها كأساس لتسويق ثقافة تنموية وبناء حضاري كويتي جديد نكسب به جميعاً الرهان الثاني، بعدما كسب أنس الرشيد الرهان الأول.