لماذا قمة ما بعد القمة؟!
لا ضرورة أن تلد القمة الدمشقية قمة أخرى اسمها استثنائية ستأتي على شاكلتها حتماً... فالأمور واضحة وبسيطة، وإذا أرادت دمشق فعلاً أن تحل الأزمة اللبنانية الحل القائم «على أسس الوفاق الوطني» فإن عليها أن تأخذ بيد عمرو موسى، وأن تساعده على تنفيذ المبادرة العربية بعيداً عن كل اللاءات والاشتراطات.
ما إن انتهت القمة الأخيرة، التي كان أهم ما قيل فيها هو ما قاله العقيد القذافي بأسلوب غلب عليه التهكّم وغلبت عليه المرارة، حتى بدأ الحديث عن قمة عربية استثنائية لاجتراح ما لم تجترحه هذه القمة... وهذا هو الهروب إلى الأمام بعينه، فالمسألة ليست مسألة أن يلتقي الزعماء والقادة العرب كلهم أو بعضهم أو بعض بعضهم، سواء في القاهرة أو في شرم الشيخ أو في أي مكان آخر، إنها مسألة هذا التجافي الذي حولته القمة الدمشقية من «بركاتها» إلى صراع واضح ومكشوف بين معسكرين عربيين هما معسكر الاعتدال والتحالف مع أميركا ومعسكر المقاومة والممانعة... وأشياء أخرى بقيادة إيران. لماذا القمة العربية الاستثنائية أو الطارئة أو الجديدة مادام أن لا أمل في إنقاذ لبنان من المصير الذي بات ينتظره بعد القمة الأخيرة التي عمّقت الشروخ، ونكأت الجراح رغم أن اللغة التي اُستخدمت فيها باستثناء لغة العقيد القذافي كانت هادئة و«دبلوماسية» زائدة العيار، ومادام أن الوضع الفلسطيني انتهى إلى تعليقه على مشجب اتفاقية صنعاء التي لم يتفق موقعوها على شيء، ومادام أن كل هذه الحروب الطائفية والمذهبية تحتدم في العراق الذي تحول منذ عام 2003 إلى ساحة تصادم بين «الأجندات» الإقليمية والدولية؟! في خطابه أمام القمة الأخيرة، الذي لو أن هدوءه كان عنوان التحضير لهذه القمة لما غاب عنها الملوك والقادة الذين غابوا عنها، وعد الرئيس السوري بشار الأسد بأن بلاده «على استعداد تام للتعاون مع أي جهود عربية أو غير عربية للحل في لبنان شريطة أن ترتكز أي مبادرة على أسس الوفاق الوطني اللبناني، فهو الذي يشكل أساس الاستقرار وهو هدفنا جميعاً»!! ولعل ما كان يجب أن يقال وعلى الفور من قبل الذين كانوا يستمعون مباشرة إلى هذا الخطاب هو أن هناك مبادرة عربية وافق عليها العرب كلهم بمن فيهم سورية، ولذلك فإن المفترض أن يبدأ تنفيذ وتطبيق هذه المبادرة على الفـور باختيار قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. وبكل احترام وتقدير ومودة فإنه غير صحيح أن سورية لا تتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، وأنها تحرص على استقلال لبنان وسيادته واستقراره، وأن مفتاح الحل هو بيد اللبنانيين أنفسهم «لهم وطنهم ومؤسساتهم ودستورهم ويمتلكون الوعي اللازم للقيام بذلك»... فسورية لا تعترف بهذا البلد كدولة مستقلة تقيم معها علاقات دبلوماسية وتتبادل وإياها السفراء، وهي مستمرة في رفض ترسيم حدودها معه، وكانت دمشق في خطاب «الانتصار الإلهي» الشهير الذي قيل فيه عن الزعماء العرب إنهم «أشباه رجال»، قد وصفت حكومة فؤاد السنيورة بأنها «منتج إسرائيلي... وأنه يجب إسقاطها»، وكان نائب الرئيس السوري الأستاذ فاروق الشرع قد قال إن حلفاء بلده في لبنان أصبحوا أكثر قوة مما كانوا عليه حتى قبل انسحاب القوات السورية. وهنا وللتذكير فقط فإن وليد المعلم كان هو الذي فاوض عمرو موسى نيابة عن المعارضة اللبنانية وباسمها، وهو الذي اخترع صيغة المثالثة المعروفة، وهو صاحب مصطلح «السلة المتكاملة»، وهو أيضاً كان قد قال أكثر من مرة: «إننا لن نقايض مصالحنا في لبنان لقاء حضور بعض القادة العرب قمة دمشق»... ولذلك فإنْ كان هذا ليس تدخلاً فما هو التدخل إذن يا ترى؟! لا حاجة إلى قمة استثنائية، وحتى إن كانت هناك إمكانية فعلية لمثل هذه القمة فإنه لا ضرورة أن تلد القمة الدمشقية قمة أخرى اسمها استثنائية ستأتي على شاكلتها حتماً... فالأمور واضحة وبسيطة، وإذا أرادت دمشق فعلاً أن تحل الأزمة اللبنانية الحل القائم «على أسس الوفاق الوطني» فإن عليها أن تأخذ بيد عمرو موسى، وأن تساعده على تنفيذ المبادرة العربية بعيداً عن كل اللاءات والاشتراطات التي عرقلتها، ووقفت في طريقها في الفترة السابقة... وعندها فإنه يمكن الحديث عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية.* كاتب وسياسي أردني