Ad

كنت أتمنى من الشباب الذين دفعهم الحماس للتظاهر أمام مقر المباحث الجنائية، أن يتمعنوا جيداً في تلك الوجوه التي ساقتهم إلى تلك الساحة، كنت أتمنى قبل أن يدير أحدهم محرك سيارته و«ويفزع للقبيلة» أن يعود بالذاكرة إلى مضابط مجلس الأمة عام 1998، ليكتشف أن ثمانية من نواب القبائل صوتوا مع قانون منع الفرعيات.

خلال أزمة تأبين مغنية وما رافقها من تداعيات على أكثر من صعيد، أثير موضوع الولاءات، وتم تداول مسميات مثل، عبدان، ومشهد، وقم، وفي ظل ثورة الحديث حاليا عن إشكالية الانتخابات الفرعية عادت الأسطوانة نفسها للدوران من جديد، وبمسميات أخرى كـ«حفر الباطن»، و«وادي العجمان» و«جوف بني هاجر»، وما إلى ذلك من مناطق ينحدر منها أبناء القبائل، ولن أقول ربما، بل إنني أجزم أنه سيثار الحديث وقريبا جدا عن «الزبير» و«الأحساء» و«الأهواز»، مع أول قضية خلافية تتعلق بشريحة اجتماعية ما، لأن الشخصنة والخصومات السياسية والاجتماعية عندما تستفحل، تغّيب لغة المنطق، فيتوارى العقلاء خلف صخب المشاحنات، وتصبح المصلحة الوطنية في آخر سلم الأولويات.

أعتقد أن كل من يملك، ولو الحد الأدنى من الحس الوطني، قد وضع يده على قلبه منذ شهرين، وهي الفترة التي اتضح من تقاطعات أحداثها في أكثر من اتجاه وأكثر من قضية، أن وحدتنا الوطنية توشك أن تكون «أوهن من بيت العنكبوت»، ومن يقول غير ذلك، عبر تبسيط الأمور، فهو لا يقرأ التاريخ جيداً ولا يستنبط العبر من تجارب الجيران والأشقاء، رغم أن حدة الانقسام ولغة الإقصاء بيننا ككويتيين لم تصل إلى نقطة الانفجار بعد، لكن الحياة علمتنا أن النار دائما «من مستصغر الشرر».

أنا أنتمي إلى شريحه أبناء القبائل، وهذا مصدر اعتزاز لي، وإذا ما ضيقت الدائرة قليلا، فأنا أنتمي إلى قبيلة أصيلة أفاخر بكوني أحد أبنائها، وأتشرف بأن اسمها «يزين» نهاية اسمي، أعلى هذا المقال، أو في أي نشاط إعلامي آخر، لكن ذلك لا يخلق المبرر لي ولغيري لوضع القبيلة والدولة في صف واحد، فلا انتماء ولا ولاء إلا للكويت.

المؤلم والمؤسف في حالة «القبيلة» والذي لا يمكن أن نقبل به، هو أن بعض أبنائها من نواب أو مرشحين لا ينظرون لها سوى أنها «وسيلة» للوصول إلى«غاية»، هكذا كشفت لنا التجارب، وهكذا علمتنا الدروس، وآخرها المظاهرة التي قام بها مجموعة من أبناء القبائل أمام مقر المباحث الجنائية.

كنت أتمنى من الشباب الذين دفعهم الحماس ذلك اليوم، أن يتمعنوا جيداً في تلك الوجوه التي ساقتهم إلى تلك الساحة، ويدققوا جيداً في تاريخ مَنْ خطَبَ، وفي أرشيف من هدّد وتوعّد، وملفات من أزبد وأرعد، كنت أتمنى قبل أن يدير أحدهم محرك سيارته و«ويفزع للقبيلة» بأن يعود بالذاكرة إلى مضابط مجلس الأمة عام 1998، ليكتشف أن ثمانية من نواب القبائل صوتوا مع قانون منع الفرعيات في مداولته الأولى، وسبعة في مداولته الثانية، وأن النواب السابقين الذين كانوا بانتظاره لم يسعوا إلى تغيير ذلك القانون خلال وجودهم في المجلس، لأنهم وقتها لم يكونوا في حاجته ولا في حاجة القبيلة، فلديهم ما كان يشغلهم عنه وعن قبيلته المسكينة.

في المقابل فإن السلطة «كالعادة» مسؤولة عما حدث، من توتر وصِدام، وشعور بالظلم من قبل أبناء القبائل، فهي وبعد أن دعمت، بل موّنت «الفرعي» لعقود من الزمن بين القبائل لإيصال مرشحيها الحكوميين، وكرست الفرعيات، وتغاضت عنها حتى بعد سن القانون، جاءت وبعد ذهاب «السكرة» لتحاول أن تخلق واقعا جديداً بين عشية وضحاها، وهو أمر مستحيل في ظل ثقافة المجتمع التي تقوم أصلا على كسر القانون وعدم إقامة أي هيبة له.

إذا كانت السلطة جادة في تطبيق أي قانون متعلق بالانتخابات فعليها أن تخلق الأرضية المناسبة لذلك، وإن كانت فعلا حريصه على المجتمع وتماسكه، فذلك وضع لن يتحقق إلا بالمبادرة إلى جعل الكويت دائرة انتخابية واحدة، تنتفي معها كل الفوارق الاجتماعية والمذهبية، حينها سيحسب مرشح أو نائب ضاحية عبدالله السالم ألف حساب لناخب أم الهيمان، وسيراعي مرشح ونائب الجهراء رغبات ومتطلبات ناخب الرميثية، وقتها فقط نستطيع أن نقول إننا أوْرَثنا لأبنائنا وطنناً اسمه الكويت، وليس دولة اسمها «القبيلة أو الطائفة أو الفئة».