آخر وطن: الجهراء وعبدالله الفلاح
الجهراء... مدينة نائية في شمال الكويت، وبرغم تاريخها، وطبيعة وتميز أرضها الخصبة، مقارنة ببقية مناطق الكويت، إلا أنها قد تعتبر مدينة عادية جدا، لولا أن ما يدهش فيها أنها أرض خصبة للشعر، وقد أنبتت كثيراً من الشعراء الذين مازالت أسماؤهم ترفرف عاليا في سماء الشعر في الخليج، منهم سليمان الفليح، طلال ومتعب السعيد، فهد عافت، فهد دوحان، خلف الحربي، خلف الأسلمي، بدر الحمد، صالح الظفيري وأسماء أخرى تغص بها قائمة النجوم التي بزغت من تلك السماء «الجهراوية»... ومازالت هذه المدينة تمارس هوايتها القدرية في إنجاب الشعراء، فها هي تلد بدر فرحان، بدر صفوق، عوض نفاع، مشعل دهيم، حمود حبيب، فرج صباح وآخرين... وعبدالله فلاح، وهذا الأخير بالذات... حكاية أخرى، فهو صحافي مثير للعواصف والأعاصير أينما حل، فإذا مررت في مكان ما ورأيت منازل هُدّمت، وأشجاراً قد أقتُلعت من جذورها، وبقايا أجسادها على قارعة الطريق، فتأكد أن عبدالله فلاح كان هنا، فهذا هو توقيعه!
وليس هذا أيضا ما يميز عبدالله، فهو عاشق حدّ الثمالة لكل ما له علاقة بالابداع، ومنحاز له الى درجة التعصب، ولا يهمه أبدا موقفه من شخص هذا المبدع او رأيه الشخصي به، ويتابع ما تخطه أنامل المبدعين، خصوصا شعراء العامية في الخليج. وليس هذا ايضا ما يميز عبدالله، فهو من هواة المشي عكس السير، وتدجين الشلالات، وانتزاع أوراق التوت، وتعرية السماء من ثوبها الأزرق، وحرث الأرض بحثا عن مشروع زهرة، بالإضافة الى... التسكّع في المقاهي! وليس هذا ايضا ما يميز عبدالله، فهو من الأشخاص الذين يتداولون الكلمات البذيئة في حديثة مع الأشخاص المقرّبين منه، فلا تكاد تمر له جملة خالية من شتيمة، او مفردة سيّئة، وفي الوقت ذاته هو من الأشخاص الذين يملكون أجمل وأعذب المفردات في قصيدته، وكأنه يفلتر لغة شعرية وينقيها من خلال حديثه العادي، لكي لا يتبقى في قاموسه - حين يكتب - سوى تلك الكلمات الغنية بإيحاءاتها الشعرية، المحملة بما يشبه الهتان، إلا أنها أكثر خيالا وإبداعا! وليس هذا ما يميز عبدالله، ففكره يحمل وعياً اكبر بكثير من سني عمره، ورؤية متفردة للحياة وتفاصيلها، ودائما له وجهة نظر تستحق الوقوف عندها، ولكن... ليس هذا ايضا ما يميز عبدالله، فهو محب مجنون لمدينة اسمها الجهراء... عاشق لملامحها، شوارعها، ناسها، شعرائها، مدارسها وملاعب كرة القدم فيها، يعتقد انه ليس هناك جهة في الدنيا سوى الشمال، وحين تعطيه خارطة تتضمن بقية الاتجاهات، يرمي بين يديك رواية (موسم الهجرة الى الشمال)، وهو ينظر اليك من أسفل الى اعلى مبتسما ومتحديا! هو مؤمن أن حبات الرمل في الجهراء لا تشبه أي حبات رمل في أي مكان آخر، وأن شمسها لا تشبه أي شمس أخرى، لذا يكتب قصائده دائما، وهو محمّل بهذا العشق الخرافي، مطرزة بكل ما سبق ذكره، وأظن أن هذا ما يميز عبدالله فلاح...!