حرية التعبير بنكهات عربية
أبرزت أحداث عام 2007 وما سبقه من أعوام وعقود على صعيد انتهاكات حقوق الإنسان أن حكمة الملك خيتي لابنه مريكارع نحو الألف الثانية قبل الميلاد، لا تزال مطبقة بشكل منقّح في غير مكان من هذا العالم: «إذا وجدت في المدينة رجلاً خطراً يتكلم أكثر من اللازم ومثيراً للاضطراب فاقض عليه واقتله وامح اسمه وأزل جنسه وذكراه وأنصاره الذين يحبونه»!
حرية الرأي والتعبير شرط أساسي لعضوية إيجابية وفعالة في المجتمع. أكدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته (19)، ليأتي العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ويعيد التأكيد عليها بعد إحاطتها بقيود ذات نكهة «عالمثالثية». فبعد النص على أن لكل فرد الحق في اتخاذ الآراء من دون تدخل، والحق في التعبير عن هذه الآراء بما في ذلك البحث عن المعلومات ونقلها وتداولها، ربط العهد ممارسة هذا الحق بقيود «حماية الأمن الوطني أوالنظام العام أوالصحة العامة والأخلاق». ولأن تعريفات هذه المفاهيم تتسع وتضيق من مكان إلى آخر، من غير أن تتخذ معنى واضحا ومحددا في معظم الأحيان، ولأنه يساء تأويلها غالبا، فهي تتخذ ذريعة للفتك بهذا الحق على نطاق واسع من هذا العالم. ولا تزال حكمة الملك خيتي لابنه مريكارع نحو الألف الثانية قبل الميلاد، مطبقة بشكل منقح في غير مكان من هذا العالم: «إذا وجدت في المدينة رجلاً خطراً يتكلم أكثر من اللازم ومثيراً للاضطراب فاقض عليه واقتله وامح اسمه وأزل جنسه وذكراه وأنصاره الذين يحبونه»!خلال عام 2007 ليسوا نادرين من اعتبروا «خطرين» في منطقتنا العربية، و«مثيرين للاضطراب»، ما اقتضى الاستمرار في انتهاك حرية التعبير والتضييق عليها، من حجب المواقع- بلغ عددها في سورية مثلا 110، إلى اعتقال المدونين- آخرهم «عميد المدونين السعوديين» فؤاد الفرحان، إلى سجن الصحافيين وإغلاق الصحف، لتمتد القائمة وصولاً إلى الذروة في اغتيال الصحافيين كما هي الحال في لبنان- تحية إلى الشهيدين سمير القصير وجبران تويني. في تصنيف «مراسلون بلا حدود» لحرية الإعلام عام 2007، جاءت سبع دول عربية في ذيل القائمة التي ضمت 169 دولة، من بينها سورية وليبيا والعراق والسعودية. دولتان عربيتان فقط احتلتا موقعا متقدماً نسبياً في القائمة، هما موريتانيا والكويت بالترتيب 50-63 على التوالي. لكن العام الذي كان حافلاً بالدماء والسجون وكم الأفواه، انتهى بمفارقتين حقوقيتين عربيتين؛ الأولى، أتت من القاهرة، بقرار قضائي صدر في التاسع والعشرين من ديسمبر 2007، قضى برفض حجب (51) موقعاً الكترونياً على شبكة الإنترنت في مصر، مؤكداً دعم حرية التعبير وتداول المعلومات. اعتبر القرار حقاً بمنزلة «هدية القضاء المصري لحرية التعبير في نهاية2007».ومصر التي أصدر قضاؤها القرار إياه، احتلت المرتبة 146 من القائمة المذكورة، فيما يستمر سجن مدونين ومحاكمة صحافيين فيها. وبديهي أن تصفح شبكة الإنترنت وقراءة الصحف، لا يغنيان عن المشاركة في التعبير عن الرأي، ولا يجوز أن تكون القاعدة، الاكتفاء بالمشاهدة بعيداً عن المشاركة! أما المفارقة الثانية، فهي الحكم الصادر قبل أسبوع فقط على أحد المعتقلين في سورية بناء على «تقرير» من قبل زملائه في العمل، بالسجن أربع سنوات، لانفجاره في لحظة غضب سيلاً من النقد للفساد والمفسدين في الدولة. فالتعبير الشفهي عن السخط من رموز الفساد في البلد، تقابله عدة سنوات اعتقال فقط!ومع ذلك، فربما يمكن اعتبار أهم ما شهده عام 2007 على هذا الصعيد، يتمثل في «عولمة» أخبار الانتهاكات ذات الصلة بحرية التعبير، وبشكل خاص ما يتصل منها بالعالم الافتراضي. حيث شهدت حملات التضامن مع المدونين المعتقلين أو مع حجب المواقع تضامناً واسعاً عابراً للحدود بشكل ملفت، في أكثر من مكان من منطقتنا العربية. «السب والقذف» و«نشر الأنباء الكاذبة» أصبحت أكثر فأكثر تندرج في باب المنبوذ على مستوى واسع، مازلزل جدار الصمت إلى درجة تختلف حدتها من مكان لآخر، حسب قوة نظر العيون الأمنية وسعة سجونها على أي حال!المواجهة التي بدأت على نطاق واسع عبر بناء شبكات الدعم والمساندة وحملات التوقيع وحشد المؤيدين لضحايا القمع، ربما جاءت بشكل أساسي كنتيجة لما أتاحه العالم الافتراضي من فرصة لمزيد من الأشخاص في المشاركة والتعبير الحر عن آرائهم. السماع بالحقوق وقراءة نصوصها في القوانين والمواثيق الدولية، يختلف جذرياً في نتائجه عن ممارستها. مثل القرار القضائي المصري المذكور أعلاه، يعطي أملاً بأن ما يبذل من جهود يشارك فيها كل من يتصدى لممارسة حقه في التعبير، لا يذهب هباء. ومثل القرار القضائي السوري المذكور أعلاه، يذكرنا بأن «الإنجازات» على هذا الصعيد، تقبع على جبل من الانتهاكات المتراكمة خلال العام وقبله. إن كنا نأمل جديداً لسنة 2008، فهو الاستمرار في التأكيد على الحق في التعبير عبر ممارسته ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وتعزيز شبكات الدعم والتضامن مع ضحايا هذا الانتهاك في كل مكان، وخرق المزيد من قائمة محظورات التعبير الحر من النوع «الخطر» و«المثير للاضطراب» بالمعنى العربي للكلمة!* كاتبة سورية