محمد بن راشد قد تحول من مجرد رجل قيادي مميز يقود تجربة ناجحة لبلده، إلى حالة نجاح ورمز تجاوز الحدود الجغرافية لبلده، يتطلع إليه بقية القادة من أبناء جيله القريبين والبعيدين، منذ أكثر من سنتين كتبت مقالاً بعنوان: محمد بن راشد الرجل والحالة، واليوم ها أنا ذا أعود مجددا لأكتب مقالاً جديداً بالعنوان نفسه ولكن مع فارق قد يبدو بسيطا في المبنى، ولكنه جوهري في المعنى. عنوان مقال اليوم هو ذاته عنوان مقال الأمس مع إزالة واو العطف ما بين كلمتي الرجل والحالة.
في مقالي القديم تحدثت عن التقدم العمراني والتقني والاقتصادي، بل وحتى الرياضي لدبي، وكيف أنه لم يأتِ اعتباطاً وإنما ارتبط قبلها وفي الأساس بتقدم إداري شامل أضحى لسان حال كل مسؤولي وقادة القطاعات الحكومية والخاصة المختلفة لتلك الإمارة التي أبهرت العالم أجمع خلال أقل من عقدين من الزمان. وخلصت إلى أن هذا النجاح ما كان ليحدث لولا أن حبا الله دبي بقائد فذّ متميز هو الشيخ محمد بن راشد، تماهى وامتزج بتجربة نجاح بلده حتى صار من العسير أن تفرق شخص محمد بن راشد عن حالة نجاح دبي، وحالة نجاح دبي عن شخص محمد بن راشد!
لكنني وبالرغم من انبهاري الذي لا أحاول أن أخفيه من هذه التجربة الرائعة، بقيت متشككاً من مسألة ارتباط النجاحات بالأشخاص لا بالنظم والمؤسسات، وظللت يعتريني قلق من كون نجاح دبي مرتبط بشخص واحد هو الشيخ محمد بن راشد، والذي سيرحل في نهاية المطاف ككل الناس عن هذه الدنيا. هذا القلق النابع من خوفي على تجربة دبي التي أراها نموذجاً وقدوة للعالمَين العربي والإسلامي، حتى وإن اعترتها بعض المثالب ككل التجارب البشرية، جعلني ألح بفتح باب النقاش كلما سنحت لي الفرصة مع معارفي وأصدقائي من أهل دبي والإمارات عموماً، وأتساءل بماذا سيكون الحال من بعد محمد بن راشد؟ منذ أسابيع كنت في دبي، وفتحت ذات الموضوع مع أحد الإعلاميين، فخرجت من المناقشة وللمرة الأولى برؤية مختلفة.
أدركت بعدها أن هذا السؤال ربما كان يشكل هاجساً في بدايات الأمر، وأن من كانوا يتفكرون بالتجربة قد كانوا يصطدمون به بالفعل، لكنه فقد معناه ودلالته في السنوات الأخيرة حين صار بقية قادة الإمارات من مختلف المستويات وفي شتى المواقع ينظرون إلى تجربة نجاح دبي بقيادة محمد بن راشد بعين الاقتداء وبروح المنافسة، لتجد الجميع اليوم وبعدما كانوا في السابق يتحدثون عن نجاح دبي ويضعون نقطة على آخر السطر، فإنهم يتكلمون اليوم كذلك عن النجاح الشبيه في أبو ظبي، وعن حركة التقدم الملحوظة والحثيثة في الشارقة، وتلك الأخرى في رأس الخيمة، والتي تتبعها تجارب بقية الإمارات كل وفق قدراته وإمكاناته.
تجربة نجاح دبي قد صارت لها مثيلاتها ومقارباتها في الإمارات كلها، بل لا أكون مبالغاً لو قلت إنها قد تجاوزت ذلك إلى بقية دول الخليج. ها هي قطر تقفز قفزات اقتصادية رائعة، والبحرين آخذة بالتحول إلى مركز مالي معتبر، ودول خليجية، بل وعربية أخرى، تتحدث عن السير في ذات المسارات، إن لم تكن قد بدأت ذلك بالفعل.
وهكذا أجدني أخلص إلى القول إن محمد بن راشد قد تحول من مجرد رجل قيادي مميز يقود تجربة ناجحة لبلده، إلى حالة نجاح ورمز تجاوز الحدود الجغرافية لبلده، يتطلع إليه بقية القادة من أبناء جيله القريبين والبعيدين، وسينظر إليه من سيأتون بعده على أنه معيار لن يرضوا بأن يكونوا أقل منه، بل وسيسعون إلى التفوق عليه. وهذا هو ما عنيته بقولي: محمد بن راشد، الرجل الحالة.