Ad

إن إصدار «وثيقة مبادئ تنظيم البث والاستقبال الفضائي في المنطقة العربية» هو شهادة إبراء ذمة من وزراء الإعلام إلى الحكام العرب يقولون لهم هذا ما نملكه وما نقدر عليه... فعلنا كل ما نستطيع من أجل إعدام فكر المواطن والقضاء عليه حماية لكم ولمناصبكم ولا نستطيع فعل أكثر من هذا.

الديناصور حيوان منقرض تدور حوله الكثير من الخرافات التي لا يمكن للعقل تصديقها ولا للواقع قبولها.

ع د م: (عَدِمت) الشيء أي فقدته والعَدم أيضاً الفقر وأْعْدَمَه الله أفقره وأعْدَمَ الرجل افتقر فهو معدم أو عديم... «مختار الصحاح».

والإعدام في القانون عقوبة يحكم بها القاضي تُنهي حياة المتهم وتحول وجوده إلى عدم، وقد تكون شنقاً أو رمياً بالرصاص أو بالكرسي الكهربائي أو بوثيقة وزراء الإعلام -الإعدام- العرب الذين يحيون خارج حدود الزمن شأن الديناصورات المنقرضة، فقد حاولوا إعدام فكر المواطن والقضاء عليه فأصدروا «وثيقة مبادئ تنظيم البث والاستقبال الفضائي في المنطقة العربية» ورغم طول العنوان وعدم منطقيته فإنني حاولت فهم شيء مما جاء في الوثيقة، وكالمعتاد جاءت بليغة عربياً فصيحة إنشائياً في عدة بنود، وكل بند في عدة نقاط، تأكيداً لرحابة اللغة وبلاغتها، والغريب أنها طالبت في النهاية بالاستماع إلى آراء المختصين على أن يتقدموا برأيهم في الدورة التالية «يونيو 2008» أي أنهم أصدروا الوثيقة ثم طلبوا رأي المختصين!!

وجاءت التعبيرات كلها عامة اللفظ رحبة المعاني واسعة التفسيرات «إنماء الشخصية العربية فكرياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً» عبارة جميلة ولكن ما معناها؟ وكيف نحققها؟ وما الهدف منها؟ «تعزيز أواصر التعاون والتكامل بين الدول العربية» هل هذه وثيقة تنظيمية أم بيان ختامي للقمة العربي؟! «حماية وعدم تجريح القادة والرموز الوطنية» وإذا كان القادة معروفون بالاسم فما المقصود بالرموز الوطنية؟ وعلى سبيل المثال هل أصبح حسن شحاته وأبو تريكة مثلا «بعد فوز مصر بكأس الأمم الإفريقية» من الرموز الوطنية لا يمكن نقدهم؟!! ومن نختار في لبنان رمزاً وطنياً رفيق الحريري أم حسن نصرالله أم جنبلاط؟ وإذا كان هناك أمل لدى المواطن -ولو بقضاء الله- في تغيير القادة فهل يتم تغيير الوثيقة مع رحيلهم خصوصاً أن هناك موروثاً شعبياً في بعض الدول بلعن الحاكم السابق طمعاً في كسب رضا الحاكم الجديد؟! وكيف يمكن لكاتب أو مقدم برامج أن ينتقد سياسة ما ونظام حكم مثلاً من دون التعرض للقائد والحاكم «كمنصب وليس شخص» الذي يحكم ويسيطر؟!

الكثير والكثير من الانتقادات لهذه الوثيقة يمكن ذكرها وأفاض الكثيرون في الحديث بشأنها، ولا أعتقد أنها خافية أو مجهولة بالنسبة للسادة وزراء الإعلام الذين أصدروها وإذا كان الأمر كذلك فلم أصدروها وكيف وافقوا عليها؟

إن إصدار هذه الوثيقة هو شهادة إبراء ذمة من وزراء الإعلام إلى الحكام العرب يقولون لهم هذا ما نملكه وما نقدر عليه... فعلنا كل ما نستطيع من أجل إعدام فكر المواطن والقضاء عليه حماية لكم ولمناصبكم ولا نستطيع فعل أكثر من هذا، فللأسف يعتقد وزراء الإعلام أن وظيفتهم الأساسية ودورهم الحقيقي هما حماية الحكام من النقد والرؤساء من الرفض... وبمنتهى الصدق أقول لهم: لقد أحسنتم الفعل وأجدتم العمل، فهنيئاً لكم رضا حكامكم وسخط شعوبكم.