غياب الخطط التنموية، التي تُعد الميزانية العامة للدولة بناء عليها، يفقد الحكومة القدرة على المبادرة لحل المشاكل العامة وتوفير متطلبات التنمية المستدامة، كما يفقدها ثقة المواطن.أقر مجلس الأمة في نهاية الأسبوع الماضي الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2007-2008 التي كانت أضخم ميزانية عامة (زادت بمعدل 3 مليارات، في ما كانت الزيادة السنوية في الميزانيات السابقة بمعدل مليار دينار) دون أن يكون هناك برنامج عمل أو خطة تنموية للحكومة، وقد أوصى المجلس بأن يتم تقديم الخطة مع بداية دور الانعقاد المقبل، مع أن وزير المالية أكد أن الخطة لن تكون جاهزة قبل الربع الثاني من السنة المقبلة!! يعني بداية السنة المالية المقبلة!!
الآن، إذا كان لا يوجد هنالك خطة تنموية استراتيجية، فما هي «خارطة طريق» الحكومة للتصرف بهذه الميزانية؟ وما السياسات العامة والبرامج التي بناء عليها تم إعدادها؟ وما معايير تقييم عمل الحكومة؟
هذه الأسئلة وغيرها الكثير تتبادر إلى ذهن المتابع الذي لابد أن يصاب بالدهشة، إذ إنها قد تكون من الحالات الغريبة أن تعتمد دولة دستورية ميزانيتها العامة من دون وجود أهداف مجتمعية استراتيجية واضحة ومتوافق عليها، وفى غياب توافق مع مجلس الأمة على المشاريع والبرامج العامة التي ستنفذ ومبررات تكلفتها وأوجه الصرف التي ستتبع بالميزانية. فمثلا يلاحظ أن الباب الأول (المرتبات والأجور) سيكلف 2626 مليون دينار، فإذا عرفنا أن %26 من العمالة الوافدة تتركز في القطاع الحكومي، فما السياسات الحكومية التي ستنفذ لتقليل هذه النسبة، خصوصا مع وجود البطالة المقنعة في هذا القطاع وطول طوابير انتظار الخريجين للوظائف، وقلة عدد العمالة الوطنية في القطاع الخاص (4 %)؟!!
كما أنه من المفروض أن تكون أوجه الصرف في الميزانية منسجمة مع برنامج عمل الحكومة الذي كان من المفروض أن تقدمه فور تشكيلها، التزاما بالمادة 98 من الدستور «تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة، وللمجلس أن يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج»، ولكن حيث ان الحكومة لم تقدم برنامج عملها وخطتها التنموية حتى الآن وقد مضى على تشكيلها قرابة الستة أشهر ولا نعرف، في حال تقديمها، متى ستقر من مجلس الأمة، فإن الميزانية المعتمدة الأسبوع الماضي ستنفذ بلا خطة!!
لذا، فهل تصدق الاتهامات المغرضة أن مجلس الأمة هو سبب تعطيل برامج التنمية؟ ما هذه البرامج التنموية؟ وكيف تنوي الحكومة تنفيذها؟ وما الاحتياجات البشرية والمادية لعملية التنفيذ؟ وما إطارها الزمني؟
لو أن الحكومة قدمت بعد تشكيلها خطة تنموية مفصلة وواضحة ومعلنة وحشدت لها رأىا عاما مؤيدا وداعما، وقامت بالدفاع عنها أمام مجلس الأمة، فهل نتصور أن بإمكان المجلس رفضها؟
إن غياب الخطط التنموية، التي تُعد الميزانية العامة للدولة بناء عليها، يفقد الحكومة القدرة على المبادرة لحل المشاكل العامة وتوفير متطلبات التنمية المستدامة، كما يفقدها ثقة المواطن، ويجعل من السهل على بعض الأعضاء التقدم بمشاريع قوانين غير تنموية تضطر الحكومة لتنفيذها مرغمة، مما يرتب عليها التزامات مالية إضافية ومفاجئة ويظهرها بمظهر المترددة، غير الواثقة وغير المهتمة بتلمس حاجات ورغبات المواطنين والعمل على تحقيقها.
إضافة إلى ذلك، فإن غياب الخطط التنموية المتفق عليها حكومياً وبرلمانياً، يجعل عملية الشد والجذب هي الرائجة بين الحكومة والبرلمان، ويجعل الخلاف هو سيد الموقف وكل طرف يتهم الطرف الآخر بالتقصير.
بالطبع يتحمل مجلس الأمة المسؤولية بالموافقة على ميزانية عامة من دون وجود خطة تنموية، لكن المسؤولية الكبرى تقع بالدرجة الأولى على الحكومة، حيث انها المخولة دستورياً بالهيمنة على مصالح الدولة ورسم السياسات العامة تنفيذها.