عن موقف الأردن من القمة
ما كان يجب أن تتم الدعوات إلى القمة العربية بالصيغة التي تمت بها، ولقد كان بالإمكان أن تكون هناك دبلوماسية غير نزقة ولا متعالية ولا استفزازية لتهيئة الأجواء سلفاً لقمة جديرة بأن تكون قمة التضامن ولَمِّ الشمل والتصالح، وأن تكون قمة التفاهم.
منذ البدايات حتى قبل أن تنعقد هذه القمة، التي أنهت أعمالها يوم الأحد الماضي من دون أن تعدل ولو «إنشاً» واحداً في جدار التضامن العربي المائل والمتصدع، كان من الواضح حتى لأحول البصر والبصيرة أن هناك من كان يريدها قمة فرزٍ وقمة عودة إلى أيام الفرقة والمزايدات، وكان لا يريد أن تتمثل فيها بعض الدول العربية التي يعتبرها هؤلاء دولاً «مفرّطة» بينما هم «الجيفاريون» الجدد، وبينما حلفهم هو حلف المقاومة والممانعة. ما كان يجب أن تتم الدعوات إلى هذه القمة بالصيغة التي تمت بها، ولقد كان بالإمكان أن تكون هناك دبلوماسية غير نزقة ولا متعالية ولا استفزازية لتهيئة الأجواء سلفاً لقمة جديرة بأن تكون قمة التضامن ولمِّ الشمل والتصالح، وأن تكون قمة التفاهم ولو على الحدود الدنيا سواء بالنسبة إلى المأزق اللبناني المتفاقم أو بالنسبة إلى الأوضاع الفلسطينية المزرية والأوضاع العراقية المأساوية. كان يجب أن يكون المنطلق هو تجميد التناقضات والتفاهم على التعارضات وتقليص مساحات ومسافات الاختلاف لمصلحة توسيع مساحات الالتقاء، وكان يجب أن تكون هناك قمم ثنائية وثلاثية قبل هذه القمة للبحث عن القواسم المشتركة، وللاتفاق على الحدود الدنيا بالنسبة إلى كل ما هو مختلف عليه، لكن هذا لم يحصل وهذا فُهم على أنه إصرار مُسبق على الفرز، وأنه استهداف لدول معروفة وحشرها حشراً في خانة الولايات المتحدة الأميركية. حتى قبل أن تنعقد هذه القمة بادر الذين يريدون «الفرز» منذ أن ظهر حلف «فسطاط الممانعة والمقاومة» إلى اتهام الذين قد يقاطعون أو يحضرون بتمثيل منخفض المستوى بأنهم ينفذون الرغبة الأميركية... والمؤسف هنا أن بعض «الفلاسفة»!! قد تلقفوا هذه الكذبة غير البيضاء وأخذوا يسوقونها ويستنبطون على أساسها مواقف ألصقوها بدول التمثيل المنخفض، بهدف إدانتها والمس بمواقفها الوطنية والقومية والحقيقية والبعيدة عن المزايدات والكلام الفارغ، الذي سمعناه على مدى سنوات طويلة ولم يؤد إلا إلى مزيد من الويلات والنكبات والهزائم. لم يستجب الأردن بالنسبة إلى تخفيض مستوى تمثيله في القمة الدمشقية، لا استجابة لرغبة «أصدقائه»!! الأميركيين، ولا مسايرة لمواقف بعض الدول العربية الشقيقة، فهذا قرار أردني اتخذه صاحب القرار على أساس مصلحة هذا البلد وانطلاقاً من أن قمة محكوم عليها بالفشل سلفاً لا تستحق تمثيلاً إلا على هذا المستوى من التمثيل، وأيضاً انطلاقاً من ضرورة الوقوف في مساحة معينة ليصبح بالإمكان ان في المستقبل البعيد أو القريب لعب دور توفيقي بين الأشقاء المتخاصمين وجمعهم لاحقاً على مائدة المصالح المشتركة ووفقاً للحدود الدنيا التي يمكن الالتقاء عندها لتوسيع الدائرة وحل التناقضات الرئيسية والثانوية، والالتقاء عند الحدود القصوى المطلوب اللقاء عندها. لا صحة إطلاقاً للقول ان العرب الذين حضروا بمستوى تمثيل منخفض قد فعلوا ما فعلوه استجابة لـ«أوامر» أميركية، فهذا ترديد ببغاوي لما يتجشأه الذين ينصبون أنفسهم أولياء أمور للعرب وقيمين على هذه الأمة، والذين أوصلوا الوضع العربي إلى ما وصل إليه من تمزقٍ وشتات وفرقة كلمة وتباغض. لو أن المسألة مسألة أميركا ورغباتها والاستجابة لهذه الرغبات، فإن ما كان ممكناً أن يتمثل في هذه القمة، على مستوى الزعماء والقادة حتى نصف هذا العدد الذي تمثل، فالمواقف والسياسات هنا معروفة ولا حاجة إلى مزيد من الشرح ولا ضرورة لذكر الأسماء... كان من الممكن أن يشارك الأردن في هذه القمة بأعلى من المستوى التمثيلي الذي شارك فيه، والسبب أنه أريد لها أن تكون قمة فرزٍ وقمة استقطاب وقمة مُجيَّرة للتحالف الإقليمي المعروف، الذي يفعل في لبنان وفلسطين والعراق ما يفعله ليس من أجل التحرير وتلقين «العدو الصهيوني» درساً لن ينساه، بل من أجل التقرب من أميركا، ومن أجل أن تقبل إسرائيل بالالتقاء معه في منتصف الطريق!!. * كاتب وسياسي أردني