منذ التحرير انقسم بعض أفراد الأسرة إلى فريقين الأول يدعو إلى الإصلاح ومحاربة الفساد والتمسك بالدستور والحفاظ على الديموقراطية، بينما صف الطرف الآخر مع التضييق السياسي والدعوة إلى كبح الحريات وإلغاء الدستور، وهذا التقسيم الذي كان أساس المواجهة بين قوى ومجاميع شعبية وتيارات سياسية وشخصيات نافذة. استكمالاً لموضوع أبناء الأسرة الحاكمة في المعترك السياسي... وبعد أن تبين بما لا يدع مجالاً للشك أن الكثير من الشيوخ قد اختاروا الانصهار في المجتمع الكويتي كمواطنين يمارسون العديد من الأدوار والأنشطة والمسؤوليات، ويتبنون مختلف الآراء والرؤى الفكرية والسياسية، وهذا ما يجعلهم كغيرهم من الكويتيين عرضة للتقييم والنقد والمحاسبة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يشكل انتماؤهم الأسري حصانة في حالة الإخلال بالمسؤولية رغم الاحترام والتقدير لسمعة ومكانة الأسرة في الوجدان الكويتي. ومن هنا، فإن الترويج لفكرة «استقصاد» الشيوخ ليست سوى مشروع فتنة خطير، يراد منها إما خلط الأوراق في إحدى مراحل الحراك السياسي الكويتي، وإما محاولة يائسة للتستر على فضائح مختلفة الأشكال والألوان تسبب بها وجود بعض أبناء الأسرة في مواقع عمل مهمة في الدولة ووضع المبررات سلفاً في حالة كشف هذا المستور وتعليقها لاحقاً على شماعة الاستهداف الشخصي للشيوخ.
أما الرهان الثاني فلا يمكن أن يتحقق له النجاح لسبب واضح، فالكثير من التجاوزات التي ارتبطت بأسماء بعض أبناء الأسرة كانت في ظل ظروف موضوعية وبدلالات وأسس قانونية وقطعت شوطاً طويلاً من التحقيق وبرزت نتائجها ونقاط القصور فيها وبانتظار لحظة قطف الثمار، ولم يعد مثل هذه المحاولات قادرة على إيقاف هذا التوجه سواء بالتهديد أو الحرب الإعلامية المضادة لأنها أصبحت أمراً واقعاً.
أما الرهان الآخر المتمثل بخلط الأوراق ومحاولة إشغال الرأي العام، فهو خيار ذكي وفعال، ولكنه في الوقت نفسه سلاح ذو حدين قد يورط أبناء الأسرة أنفسهم في المزيد من المشاكل والتعقيدات السياسية، ومن صور خطورة خلط الأوراق أن تتصاعد وتيرة الخلافات وربما الصراعات بين أبناء الأسرة أنفسهم واستهداف الشيوخ لبعضهم بعضا، فيكون من يروج لفكرة التشهير بالشيوخ هم من أبناء عمومتهم، ولهذا فإن في خلط الأوراق مجازفة كبيرة للأسرة وإن كانت بواجهة شعبية مكشوفة.
وتشخيص هذا الواقع لم يعد سراً، فمنذ التحرير انقسم بعض أفراد الأسرة إلى فريقين الأول يدعو إلى الإصلاح ومحاربة الفساد والتمسك بالدستور والحفاظ على الديموقراطية، بينما صف الطرف الآخر مع التضييق السياسي والدعوة إلى كبح الحريات وإلغاء الدستور، وهذا التقسيم الذي كان أساس المواجهة بين قوى ومجاميع شعبية وتيارات سياسية وشخصيات نافذة، هو الذي استمال بعض الشيوخ نحو كل فريق وحولت علاقاتهم بها إلى تحالفات استراتيجية ومصير مشترك، وهذا ما يفسر تدخل بعض الشيوخ من خلال مواقعهم الرسمية أو بصفاتهم وتأثيرهم السياسي في التعيينات والترشيحات لمناصب قيادية أو ترسية المصالح والصفقات التجارية والتنفيع بكل صوره لكسب الولاءات الجزئية، إضافة إلى التدخل المباشر في الانتخابات العامة وغيرها لإيصال مرشحين الى مجلس الأمة وبقية مؤسسات المجتمع المدني منذ عام 1992.
وفي المقابل، تصدى البعض الآخر من أبناء الأسرة وبقوة للدفاع عن الدستور والديموقراطية وأصروا على منهج الإصلاح والتنمية والعدالة وحقوق الإنسان والدعوة إلى حيادية الأسرة فيما يخص الشأن العام، وهذا ما أدى إلى تبنيهم ودعمهم من قبل شخصيات ومجاميع شعبية وتيارات سياسية تحمل المبادئ والهموم نفسها.
ولعل هذا هو السبب الرئيسي وراء التصنيف السياسي في الأوساط الشعبية للكثير من أبناء الأسرة الذين تصدروا مواقع المسؤولية منذ بداية التسعينيات، وأصبح الجميع منهم يتم تقييمه بحسب المعسكر الفكري والسياسي الذي يميل إليه، والكل أصبح مستهدفاً من قبل الخصم الآخر.