نصدق من يافخامة الرئيس؟؟

نشر في 27-01-2008 | 00:00
آخر تحديث 27-01-2008 | 00:00
 أ.د. غانم النجار أكدت دراسة صدرت قبل أيام عدة في واشنطن أن الإدارة الأميركية استخدمت معلومات غير صحيحة لتبرير الحرب على العراق، فقد أصدر «مركز النزاهة العامة»، وهو مركز مستقل متخصص في رصد وتوثيق انحرافات أجهزة الدولة، تقريراً موسعاً وموثقاً خلص فيه إلى أن الحكومة الأميركية قد نتج عنها تهيئة الأجواء لضراب العراق، ورصدت الدراسة بأنه في الفترة الواقعة ما بين 11 سبتمبر 2001 وحتى بدء الحرب فقد أصدر سبعة من القيادات السياسية العليا 935 تصريحاً مغلوطاً وكان نصيب تلك التصريحات بواقع 260 تصريحاً أو إفادة للرئيس جورج بوش، و254 لوزير الخارجية آنذاك كولن باول، و109 لوزير الدفاع آنذاك دونالد رمسفيلد، و56 لمستشارة الأمن القومي آنذاك كوندوليزا رايس، و85 لمساعد وزير الدفاع آنذاك بول وولفوتز، و48 لنائب الرئيس ديك تشيني و109 و14 لكل من المتحدثين الرسميين باسم البيت الأبيض آري فليشر وسكوت مكللان على التوالي، وأوضحت الدراسة أن تلك التصريحات تركزت على نقطتين هما امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وارتباطه بتنظيم «القاعدة» والتي أكدت الدراسة عدم صحتهما بالمطلق.

وقد استندت الدراسة إلى أن عدم صحة تلك التصريحات قد أكدها عدد كبير من لجان التحقيق بما في ذلك لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ (2004 و2006) ولجنة 11 سبتمبر الموسعة ومجموعة بحث العراق غير المسيّسة. وقد وضع المركز قاعدة بيانات قابلة للبحث على موقعه الإلكتروني لإيضاح كيف كانت القيادة السياسية العليا تقوم بمخاطبة الرأي العام الأميركي بشكل شبه يومي لإقناعه بمعلومات خاطئة.

فعلى سبيل المثال تصريح تشيني في 26 أغسطس 2002 حين قال «ليس لدينا أدنى شك بأن لدى صدام الآن أسلحة للدمار الشامل، وأنه يستعد لاستخدام تلك الأسلحة ضد أصدقائنا وضد حلفائنا وضدنا». في الوقت الذي يعقب فيه جورج تينيت مدير المخابرات المركزية لاحقاً مؤكداً أن تشيني قد ذهب أبعد بكثير من المعلومات المتوفرة لديهم آنذاك، كما أضاف قيادي آخر في المخابرات المركزية.. «من أين يحصل على معلوماته التي ذكرها».

كذلك صرح الرئيس بوش في سبتمبر 2002 وقبل أيام من تصويت الكونغرس على التصريح باستخدام القوة بأن «النظام العراقي يمتلك أسلحة بيولوجية وكيماوية وأنه يقوم بالتحضير لإنتاج المزيد، وأنه استناداً إلى معلومات الحكومة البريطانية فإنه يستطيع شن هجوم بيولوجي أو كيماوي خلال مدة لا تتجاوز 45 دقيقة فقط»،

كما أكد أن النظام العراقي «يسعى للحصول على قنبلة نووية ويستطيع إنجاز ذلك خلال سنة واحدة».

وقد اتضح أن تلك المعلومات التي أعلنتها الحكومة البريطانية لم تكن صحيحة بل إنها أدت إلى فضيحة سياسية ترتب عليها إقالة مهندس الخداع أليستر كامبل ووضعت رئيس الوزراء توني بلير في وضع سياسي محرج وكان من تداعياتها خروج بلير من السلطة.

كذلك فإن رامسفيلد في يوليو 2002 رد بكلمة واحدة على سؤال حول وجود علاقة بين العراق وتنظيم «القاعدة»، وهي «بالتأكيد»... في الوقت الذي كانت هيئة الاستخبارات الدفاعية أصدرت تقريرا في الشهر ذاته يناقض مقولة وزير الدفاع.

كذلك فقد جاء في مداخلة وزير الخارجية كولن باول في الأمم المتحدة في 5 فبراير 2003 التالي: «إن ما نقدمه لكم ليس إلا حقائق تستند إلى استخبارات مؤكدة تعتمد على مصادر بشرية». وقد اتضح لاحقاً أن المصدرين كان أحدهما شخص عراقي غير موثوق به والثاني معتقل من «القاعدة» يدعى ابن الشيخ الليبي الذي أفاد لاحقاً بأنه كان على استعداد للإدلاء بأي معلومات لكي تتحسن معاملته.

والغريب أن ذلك المنوال استمر حتى بعد سقوط النظام، وكأنها حملة مستمرة بالدفع الذاتي حيث صرح الرئيس بوش في مقابلة مع التلفزيون البولندي في 29 مايو 2003 بالتالي: «لقد وجدنا أسلحة الدمار الشامل وقد وجدنا المختبرات البيولوجية» فقد جاء في التقرير الذي قدمه فريق خبراء أميركي زار العراق وفحص تلك المختبرات بأنها لم تكن إلا لإنتاج الهيدروجين الخاص بالبالونات.

وقد خلصت الدراسة إلى أن تلك التصريحات قد خلقت أجواءً ونسجت قصصاً وهمية بررت للحرب وانساقت وراء ذلك أجهزة الإعلام، وقد أدى ذلك إلى قيام العديد من الصحافيين ومؤسسات إعلامية بكاملها بإعلان خطأها مستخدمة الكلمة اللاتينية «مياكولباس».. بمعنى «كان خطأنا».

وحيث إن موضوعنا هنا ليس البحث في المبررات الحقيقية للحرب، فلذلك مبحث آخر، فإن نتائج تلك الدراسة التي استغرق الاعداد لها قرابة السنتين، تطرح تساؤلات مشروعة وجادة حول صدقية القيادة الأميركية ومشاريعها في المنطقة ومدى تحريفها للحقائق لتبرير سياساتها، إلا أنه بالمقابل فإنه من المهم، بل والمفيد، ألا نتغاضى عن أن الدراسة المذكورة، وهي دراسة أميركية صادرة في واشنطن دي سي من مركز أبحاث غير حكومي مستقل، وأن الألوان كلها موجودة هناك. وذلك يجعلنا نطرح سؤالاً مشروعاً آخر، وهو كم من المعلومات المغلوطة التي سوّقها ولازال يسوقها قادتنا في منطقتنا العربية لتبرير أفعالهم وإجراءاتهم وقراراتهم ولا تجد مقابلها دراسة من هذا النوع يستطيع من أصدرها أن يعلنها على الملأ ولا يختفي وراء الشمس، مجرد سؤال وفكرة تحتاج إلى التأمل، فالنظام الديموقراطي يصلح أخطاءه.

وللاطلاع على تفاصيل تلك الدراسة الشيقة وغيرها من الدراسات

www.publicintegrity.org/warcard

back to top