الخيارات المختلة في دارفور

نشر في 29-08-2007 | 00:00
آخر تحديث 29-08-2007 | 00:00
 ريتشارد ويتز بعد مساع حثيثة تمت الموافقة على إرسال قوة حفظ السلام المشتركة إلى دارفور، والتي ستتألف من نحو سبعة آلاف جندي تابعين لقوة الاتحاد الأفريقي، علاوة على قوة شرطية إضافية قوامها عشرون ألف فرد عسكري ومدني تحت قيادة الأمم المتحدة. إلا أن العديد من العقبات مازالت تسد الطريق، وتزيد من صعوبة المهمة المشتركة التي يضطلع بها الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لإيجاد حل سلمي للصراع في دارفور.

على الرغم من الضغوط التي مارسها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على مجلس الأمن لحمله على التحرك السريع والتفويض بإرسال القوة المشتركة المقترحة، فإن الحكومات الأعضاء مازالت تسير على الطريق المسدود نفسه بشأن صلاحياتها. وبتشجيع من حكومة السودان حرصت الصين وروسيا حتى الآن على وضع العقبات أمام الحل الذي ترعاه بريطانيا وفرنسا، والذي من شأنه أن يسمح للقوة المشتركة المقترحة «باستخدام السبل الضرورية كلها» لحماية العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية وغيرهم من المدنيين. كما دعا سفير السودان إلى الأمم المتحدة إلى الموافقة على اقتراح تمهيدي تميل لغته إلى «محاباة السودان».

فضلاً عن ذلك، يقدر محللون تابعون للأمم المتحدة أن أغلب القوات الإضافية لن تصل إلى دارفور قبل وقت مبكر من العام المقبل. وتهدف المرحلة الأولية إلى تزويد القوة التابعة للاتحاد الأفريقي، والموجودة بالفعل في دارفور، بدعم لوجيستي إضافي من دول غير أفريقية، مثل المهندسين من الصين.

ولقد دعا وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير إلى دمج هاتين المرحلتين بهدف التعجيل بالتقدم، الأمر الذي سوف يتطلب أرصدة مالية ضخمة لتأمين انتشار قوة حفظ السلام الإضافية التابعة للأمم المتحدة. وطبقاً لرأي رئيس عمليات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة جون ماري غيوهينو، فإن أي قوة مشتركة لابد وأن تتمتع «بالنشاط» بسبب الموقف «البالغ التحدي» في دارفور. ويقترح الحل البريطاني الفرنسي قوة عسكرية مؤلفة من 19555 جندياً و6400 مدني، بتكلفة قدرت بما يتجاوز ملياري دولار أميركي خلال العام الأول.

كانت إدارة بوش من بين أشد المدافعين عن نشر قوة حفظ سلام نشطة في دارفور. إلا أن الولايات المتحدة تعيق هذه العملية بسبب تخلفها عن تسديد التزاماتها في ما يتصل بميزانية حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، حيث قُدِرت المتأخرات على الولايات المتحدة بما يزيد على خمسمئة مليون دولار أميركي، بل وربما تتجاوز هذه المتأخرات المليار دولار بنهاية العام 2007. كما واجه الاتحاد الأوروبي أيضاً صعوبات في الوفاء بتعهداته المالية الخاصة بقوة الاتحاد الأفريقي الموجودة بالفعل في دارفور.

فضلاً عن ذلك فلم يتم البتّ بعد في مسألة تقسيم العمل على المهمة المشتركة، خصوصا في ما يتصل بالتمويل والقيادة. ويصر العديد من الزعماء الأفارقة على احتفاظهم بحق السيطرة الأساسية على أي قوة سلام يتم نشرها في دارفور. وطبقاً لنموذجهم المفضل فإنهم يحثون الأمم المتحدة على توفير الأرصدة المالية وأغلب أشكال الدعم الأخرى اللازمة لتنفيذ المهمة، بينما يسمحون للاتحاد الأفريقي بالاحتفاظ بدوره القيادي.

إلا أن العديد من الحكومات الغربية ترفض وضع قواتها تحت قيادة الاتحاد الأفريقي، نظراً إلى نقاط ضعفه الواضحة، حتى انها علقت قراراها بتقديم المزيد من الدعم لعمليات حفظ السلام في دارفور على تولي الأمم المتحدة للسيطرة والقيادة هناك. لكن الأمم المتحدة تواجه صعوبة في اجتذاب العدد الكافي من المتطوعين للقيام بمثل هذه المهمة، منذ وافقت الحكومات الأجنبية على طلب السودان بتأليف أغلبية القوة المشتركة من الأفارقة.

في الوقت نفسه، يُـذَكِرنا التسلسل القيادي المعقد المفترض في قوة السلام المشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، ببعض أسوأ مظاهر العمليات المشتركة التي قام بها حلف شمال الأطلنطي والأمم المتحدة في يوغوسلافيا السابقة في فترة التسعينيات. حيث من المفترض أن يتولى قادة قوة الاتحاد الأفريقي على الأرض السيطرة التكتيكية، بينما تتولى قيادة مشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة الإشراف على العمليات، أما الأمم المتحدة فتتولى تحديد الأهداف الاستراتيجية الكلية للقوة المشتركة. إن هذا النظام القيادي المعقد الملتف من شأنه أن يزيد من صعوبة التفاعل السريع مع أي أزمة أو تهديد.

وحتى إذا ما نجحت القوات الأجنبية في تخفيف حدة العنف، فقد لا يدوم السلام إلا إلى حين انتهاء انتشار القوات هناك، وذلك لأن الصراع قد تطور من نزاع بين مجموعات من المتمردين وبين الحكومة السودانية إلى صراع بين عدد من العشائر والمجموعات العرقية المختلفة، مع تدخل الحكومة لمصلحة حلفائها.

يتعين علينا أن نستفيد من تجربة كوسوفو. فبعد مرور ثمانية أعوام منذ أن تدخلت قوات حلف شمال الأطلنطي في عام 1999، مازالت الظروف هناك تفرض بقاء 17 ألفاً من القوات الدولية المسلحة لمنع الارتداد إلى العنف، وحتى الآن لم يتقرر بعد الوضع السياسي النهائي لكوسوفو.

من المرجح أن تؤدي أي عملية حفظ سلام ضخمة في دارفور إلى موقف مماثل: فترة مطولة من الشكوك بشأن الوضع السياسي للمنطقة في المستقبل، فضلاً عن إعاقة التطور الاقتصادي الاجتماعي، وتفاقم التباعد بين الأطراف المتصارعة، والتوترات الناجمة عن عدم تحقق وعود السلام والرخاء، واحتمالات تجدد أعمال العنف في حالة انسحاب قوات التدخل الأجنبية.

فضلاً عن ذلك فإن أي عملية عسكرية مكثفة في دارفور لن تؤدي بالضرورة إلى تأمين المنطقة ما لم يتم في الوقت ذاته التعامل مع المشاكل في بقية أنحاء السودان. ذلك ان تقارير لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تؤكد أن انتهاكات حقوق الإنسان منتشرة على نطاق واسع في السودان، وليس في منطقة دارفور فحسب. وطبقاً لتحليل نشرته مجلة «فورين أفيرز»، فإن السودان تعتبر البلد الأشد تعرضاً لخطر فشل الدولة.

لهذه الأسباب فإن أي عملية سلام كبرى تتضمن دولاً أجنبية لابد أن تقود حكومات هذه الدول سريعاً إلى التفكير في تغيير النظام الحاكم في الخرطوم باعتباره الاستراتيجية الأفضل للخروج من السودان. ولأن حكومة السودان تدرك هذه الحقيقة فلسوف تقاوم كل المحاولات الرامية إلى نشر مثل هذه القوات، بصرف النظر عن التهديدات الأجنبية أو التملق الدبلوماسي.

 

* كبير زملاء ومدير إدارة البرامج بمعهد هدسون «بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top