شكراً... الرسالة وصلت
لو كنت من ولاة الأمر... لكنت أرغب، وبشدة، أن أعرف رأي الناس بعيداً عن المجاملة والمصالح الشخصية والسياسية، ولكنت أفضل أن يناقش الشعب قضاياه على صفحات الصحف والإنترنت والتلفزيون ووسائل الاتصال كافة بدلاً من السراديب المظلمة والمنشورات السرية، ولفهمت أن أفضل وسيلة لإطفاء فتيل المعارضة هي المشاركة.
إن اعتقال صحافيين كويتيين في وضح النهار ومن أمام جريدتهم بالطريقة البربرية الموصوفة، هو رسالة واضحة ومكشوفة لمجتمع الإنترنت والمدونات بعد كل المحاولات البائسة الأخرى للحجب والمنع والترغيب والترهيب. فالحمد لله رجال أمن الدولة ليسوا أميين كما يتصور بعضهم، فهم على اطلاع بما تزخر به صفحات الإنترنت وعلى متابعة دقيقة لما يكتب بالمدونات وصفحات الإنترنت حتى أنهم يحتفظون بالتعليقات والمقالات التي تعرض لساعات معدودة وتُزال. وكلاعب الشطرنج المبتدئ الذي يقوم بحركته من دون التخطيط للحركة اللاحقة أو الاحتراز لاستراتيجية اللاعب الخصم ارتأى القائم على الأمر أن هذا الاعتقال غير القانوني أو الدستوري أو الحضاري سيدب الخوف في أنفس الناس ويمنعهم من التعرض للسياسة أو الدين أو أي من القضايا «الحساسة» التي لسبب ما تثير رعب رجالات أمن الدولة. ولكن –والحمد لله أيضا– جاءت ردة الفعل لتثبت خطأ هذه الحركة. فردود الأفعال الشعبية والبرلمانية أرسلت رسالة واضحة للاعب المبتدئ، فلم يعد ما يخيف الناس، وعلى العكس تماماً فقد وصل الشعب إلى مرحلة من السخط والاستياء الذي وجد في هذه الحادثة متنفساً وفرصة للتعبير عن امتعاضه وتشبعه من التخبط والفساد والغباء والتخلف والامتهان لأبسط حقوقه الإنسانية والدستورية. فهل يعقل أنه في الدولة نفسها التي تفتقد الاستراتيجية والبنى التحتية والخدمات الرئيسة، والتي تعاني الشلل السياسي والاقتصادي والتخلف الاجتماعي وتواجه أخيراً خطراً نووياً وأخطاراً طبيعية، أن نجد من لديه الوقت والطاقة والموارد والجرأة لمتابعة ومصادرة أبسط حقوق الإنسان في التعبير عن رأيه؟ التاريخ ومبادئ السياسة وعلم النفس وعلم الاجتماع وأبسط أدوات المنطق جميعها تؤكد أن المنع والكبت له مزايا آنية جداً ومخاطر أكبر على المديين القصير والبعيد. ومع التطور التكنولوجي اختفت حتى تلك المزايا الآنية. فلم يعد أحد يملك القدرة على مصادرة الكلمة. فحتى حجب أو تدمير المواقع على الإنترنت هنالك وسائل عديدة للتغلب عليهما. والنتيجة أنه مع كل محاولة منع تزداد الحركة على تلك المواقع. حدث ذلك عندما تم حجب بعض المدونات ويحدث ذلك الآن بعد اختطاف الزملاء في «الجريدة».لو كنت من ولاة الأمر... لكنت أرغب، وبشدة، أن أعرف رأي الناس بعيداً عن المجاملة والمصالح الشخصية والسياسية، ولكنت أفضل أن يناقش الشعب قضاياه على صفحات الصحف والإنترنت والتلفزيون ووسائل الاتصال كافة بدلاً من السراديب المظلمة والمنشورات السرية، ولفهمت أن أفضل وسيلة لإطفاء فتيل المعارضة هي المشاركة، ولأتيت بكل من يعترض أو يشتكي وطلبت منه أن يعطيني بديلاً وأن يشارك فعلياً في الحل. ولو كنت من ولاة الأمر... لاستفدت من «طاقات» أمن وأجهزة الدولة الأخرى لتعقب الأخطار الخارجية والطبيعية والتنبؤ بالإعصار أو الزلزال القادم... ولكن «لو» تفتح عمل الشيطان!