المنهج المنظم للتحريض على الدستور وعدم الإيمان بالديموقراطية له مدرسة سياسية قديمة، وتسريب أخبار حّل المجلس إلى الأبد يمثل لهذه المدرسة بصيصاً من الأمل ويعتبر بالون اختبار يجب أن يُجرّب ويُروّج له باستمرار كتهيئة نفسية للشارع الكويتي.ما ان تُطوى صفحة التحرش بالدستور حتى يعاود بعضهم محاولات جس النبض السياسي ورصد ردود الفعل الشعبية لفكرة الانقلاب على الديموقراطية وتنقيح الدستور بنزع أسنانه من خلال التسريبات الصحفية وبث الإشاعات على الطريقة الكويتية السريعة الانتشار. ووجه الغرابة أن الترويج لمثل هذه الأخبار لا يتم إلا بعد اجتماعات شخصيات من الأسرة الحاكمة، وتُسرب المعلومات من داخل هذه اللقاءات، بل الأغرب من ذلك عدم تكذيب هذه الأخبار أو نفيها من قبل ناطق رسمي أو مصدر مسؤول من داخل الديوان الأميري.
وهذا العبث السياسي يعد إما تحدياً سافراً لموقف صاحب السمو الأمير ورئيس السلطات جميعاً وحسمه الواضح في شأن التمسك بثوابت الديموقراطية والمحافظة على الدستور، وهو تصرف بلا شك لا يليق بمكانة رجالات الأسرة، وإما أن تكون هذه الأخبار وتلفيقها بالأسرة كاذبة من قبل زمرة من المروجين الذين حجمتهم الديموقراطية وعكست ضآلة وزنهم الحقيقي في المجتمع الكويتي، وفي كلتا الحالتين يجب أن يكون هناك إجراء حازم لوقف هذه المهزلة السياسية.
ومهما تكن دقة هذه الأخبار ومصداقيتها وفي ظل الوضع السياسي الكويتي الحالي، حيث اختلط الحابل بالنابل، تبقى الكثير من السيناريوهات والأماني السياسية قائمة ومفتوحة، ولكن ثمة احتمالين يحتمل كل منهما، أو حتى كلاهما، الصحة في هذا الصدد.
فالمنهج المنظم للتحريض على الدستور وعدم الإيمان بالديموقراطية له مدرسة سياسية قديمة، ولعل من بين روادها شخصيات من داخل الأسرة وكثير من «المطبلين» لها من الخارج ممن لا ينبت لهم ريش إلا في أتون الفساد والتسيب وانعدام الرقابة وإلغاء دور القانون. وتسريب أخبار حّل المجلس الى الأبد يمثل لهذه المدرسة بصيصاً من الأمل ويعتبر بالون اختبار يجب أن يُجرّب ويُروّج له باستمرار كتهيئة نفسية للشارع الكويتي، بحيث متى تسنح الظروف المحلية أو الإقليمية لمثل هذا الانقلاب لا يقع هول المفاجأة، بل يمكن التسويق له والتبرير بأنه كانت هناك مقدمات وتحذيرات سابقة في ظل الممارسات النيابية السلبية وتردي الحالة العامة في الدولة؟!
وهناك احتمال آخر لترويج فكرة الحل غير الدستوري وتعطيل الديموقراطية، قائم على نظرية الحرب النفسية لخلق توازن قوى يجاري الحراك السياسي الشعبي، الذي يحمل سقفاً عالياً من المطالب التي يستشعر أعداء الديموقراطية وخصوم الدستور بأنها آتية في الأفق بعد نجاح فرض تعديل الدوائر الانتخابية، وتقديم قانون الدائرة الواحدة، ومشروع إشهار الأحزاب، والدعوة إلى اختيار رئيس وزراء شعبي، وتشكيل حكومة ذات أغلبية برلمانية تحظى بثقة المجلس المسبقة، وعدم مشاركة الوزراء في التصويت داخل المجلس، وهي إصلاحات طموحة جداً وتتسق مع معايير الديموقراطية العالمية.
ومن هنا فإن الترويج لفكرة مضادة تماماً مثل إلغاء مجلس الأمة، أو تحويله إلى مجلس استشاري، أو فرض «ضرة» عليه متمثل بمجلس أعيان، أو استفراد السلطة التنفيذية بالحكم، تكون ضرورة لخلق توازن سياسي والخروج بالنهاية بمعادلة «لا غالب ولا مغلوب» أو «فك الفك» والعودة من جديد إلى دستور 1962 باعتباره الخيار المقبول عند الجميع.
ولعل هذا الاحتمال هو الأرجح سياسياً ليس كمنظومة حكم أو أساس للاستقرار والإجماع السياسيين، إنما كتكتيك ذكي وتهويشة سياسية للتأثير على الانتخابات المقبلة أياً كان توقيتها، خصوصاً إذا كانت مبكرة، فالتسويق لأطروحة الحل غير الدستوري وبهذا الزخم الإعلامي وتعبئة الشارع بالسخط على مجلس الأمة سوف يحمل مفاجأة يعتبرها الجميع «سارة»؛ بأنه رغم كل مشاكله وتأزيماته فسوف يُحل المجلس دستورياً وتتم الدعوة إلى انتخابات جديدة، في إشارة واضحة إلى كرم الحكومة وسحب البساط من تحت أعضاء المجلس، وخاصة قوى المعارضة تحت شعار «آن الأوان للتغيير»!