موسم الهجرة…لمواجهة التقسيم!

نشر في 08-11-2007
آخر تحديث 08-11-2007 | 00:00
 محمد صادق الحسيني

إن عدونا يسعى إلى التقسيم بخريطة جديدة للمنطقة، من أجل أن تبقى إسرائيل في أمان وغير معرضة لإمكان التفكّك والزوال.

بعد تقسيم العراق، وما أدراك ما تقسيم العراق؟! بدأت الأصوات ترتفع بضرورة تقسيم باكستان، وبدأت بعض الصحف الغربية تتحدث عن أن باكستان «كذبة إنكليزية» أو«لملوم» من خمس ولايات غير متجانسة لا في العرق ولا في الثقافة ولا في اللغة، والدليل على ذلك هو أن اللغة الرسمية في البلاد هي اللغة الإنكليزية! وقد يكون بعض ذلك صحيحاً لكن الأهم منه هو لماذا يتذكر البعض كل هذا الآن بالذات! ربما لغاية في نفس «أبو ناجي» كما يفضل إخواننا العراقيون تسمية المستعمر الإنكليزي العجوز، أو لغاية في نفس العم سام الذي يحاول أن يجر باكستان إلى حالة الفوضى الهدامة وإغراقها في حروب داخلية لن ينتج عنها سوى المزيد من التهيئة لخريطة الشرق الأوسط الكبير أو الموسع!

التقسيم قد يأخذ مداه إلى أبعد مما نتصور من أجل تحقيق أحلام الأباطرة الجدد من حواريي الرئيس المخطوفة إرادته وإرادة الأميركيين على يد من يسمون بالمحافظين الجدد أيضاً!

اسمعوا وعوا جيداً مما يحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام: «إن البعض مصرون على أن وطننا روسيا يجب أن يقّسم… وإننا محظوظون لامتلاكنا ثروات طبيعية هائلة يجب برأيهم أن توزع…» في إشارة واضحة إلى الإدارة الأميركية، معتبراً «أن هؤلاء الأشخاص فقدوا صوابهم…»، وبعد أن حذّر من أن هؤلاء «يسعون إلى إقامة عالم أحادي القطب والتحكم في الجنس البشري كله…» أضاف مؤكداً: «ان أي محاولة كهذه سيكون مصيرها الفشل لأنه لم يحصل شيء كهذا في تاريخ كوكبنا، ولا أعتقد أنه من الممكن أن يحدث في المستقبل…»!

كلام بوتين هذا الذي ورد في خطاب له ألقاه أمام كاتدرائية القديس باسيل في الساحة الحمراء بمناسبة يوم الاتحاد الوطني الروسي، قد يلخص للمتتبعين والمراقبين ما يحصل في العالم اليوم من فوضى عارمة بسبب انفلات العقد العالمي حتى بين الذين كتبوه ودوّنوه من المنتصرين في الحرب العالمية الثانية رغم أنه جاء على حساب فقراء الكرة الأرضية ومستضعفيها!

إنها «الفوضى الخلاقة» التي لطالما تحدث ويتحدث عنها منظرّو إعادة رسم خرائط العالم من جديد من الأباطرة الجدد!

لن نفاجأ غداً إذا ما ظهر علينا منظرون جددٌ -ومن أبناء جلدتنا ربما- بالقول إن فلسطين هذه التي تريدون تحريرها أو استرجاعها من أيدي المحتلين الصهاينة لم تعد موجودة على الخريطة أصلاً! فهناك اليوم ضفة غربية مرتبطة بالأردن أكثر مما هي مرتبطة بأي وحدة جغرافية–سياسية أخرى، وبالتالي ما العيب في ربطها بجزء من الأردن فتشكل ولاية «عربية» على أن تكون أميركية الهوى جديدة يقسّم من خلالها الأردن إلى دويلات ونخلص من «مصيبة» الضفة؟! وها هي غزة اليوم دويلة قابلة للحياة ترتبط حياتيّـاً بالضفة المصرية أكثر مما ترتبط بأي جزء من فلسطين التاريخية، وبالتالي ما العيب في ربطها ببعض من أراضي مصر المتعبة للدولة المصرية ونكون قد خلقنا دولة عربية جديدة بعد الإطاحة بـ«حماس» طبعاً، ومن خلال التجويع والحصار، ولكن نكون قد مزقنا مصر أيضاً و«خلصنا» القاهرة من الجزء الخارج على القانون وغير القابل للانضباط تحت العباءة المصرية التقليدية؟!

وهكذا في السودان كما نرى ونشاهد على طريقة الخطوة خطوة! وما المانع أن يتم التنادي غداً «لنصرة» المنطقة الشيعية من شرقي السعودية على طريقة دارفور وما أدراك ما دارفور والذهب الأسود والأحمر وبكل الألوان التي يمكن أن تخطر أو لا تخطر على بال أحد منا؟!

وهكذا في إيران التي يحضّرون لها مخطط تمزيقها إلى نحو ثلاثة وثمانين جزءاً كما يحلم معهد إنتربرايس ومايكل ليدن المكلف رسمياً من قبل إدارة المحافظين الجدد بزعزعة أمن هذا البلد الجار واستقراره وإظهاره كعدو بديل للعرب عن إسرائيل! الشيء نفسه يعدونه لتركيا الجارة الأخرى لإفشال أي محاولة استقلالية من أي شكل كان، وذلك من خلال تفخيخها بحروب العراق!

هل تذكرون كتاب «خنجر إسرائيل»؟! هل تتذكرون ما كان يردده على مدى السنوات الأخيرة من عمره الشهيد ياسر عرفات وهو يحذر من مخاطر إعادة رسم خرائط المنطقة؟!

إنه من جانب عدونا يعتبر موسماً للهجرة إلى التقسيم من أجل أن تبقى إسرائيل في أمان وغير معرضة لإمكان التفكّك والزوال بسبب ما تعانيه من خواء داخلي يكاد يجعلها أوهن من بيت العنكبوت فعلاً لولا تفرقنا وتصارعنا وشقاقنا والنفاق الذي يعشّش بيننا!

ومن هنا، فيجب من طرفنا أن يكون موسم الهجرة إلى اليقظة والحذر من الرياح المسمومة القادمة من الشمال، أياً كان ظاهرها... مغرياً ومسيلاً للعاب البعض ومبهراً له!

سواء كان ذلك باسم الديموقراطية أو التعددية أو الإصلاح أو حقوق الإنسان أو الحيوان فلابد لنا أن نشكك فيه عندما يأتي على لسانهم تماماً كما كان يقول شهيد الثورة الجزائرية الكبير عبدالحميد بن باديس: «والله لو قالت لي فرنسا قل لا إله إلا الله ما رددتها من ورائها»! لأن كل ذلك زبد وسراب ولن يبقى إلا ما ينفع الناس، ناس هذه الأرض الخصبة والمعطاءة التي لا تقبل القسمة مهما تجبّر عدوها وتبختر!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي-الإيراني

back to top