Ad

بليتنا الأزلية في هذا البلد تكمن في أن حماسنا الطاغي لأي إجراء يستهدف سلامة العباد وأمن البلاد، قد يتواصل شهورا عدة، ومن ثم يتناقص الحماس، وتتراخى سبل المتابعة والمراقبة الساعية لتنفيذ القانون!

* إن أي سعي إلى التقليل من حرب الشوارع المضرجة بدماء الإسفلت دوماً، ولاحتواء بلية الحوادث المرورية المأساوية المروعة، يستأهل الاحتفاء والاحتشاد من المواطنين والمقيمين لإنجاحه، ذلك أن خطورة الحديث في الموبايل؛ أثناء قيادة المركبات السيارة؛ بمنزلة انتحار مجاني يهدر الطاقة البشرية وينفيها، من جراء فتنة الهذرة عبر هذا الوسيط الجماهيري الساحر!

بليتنا الأزلية في هذا البلد تكمن في أن حماسنا الطاغي لأي إجراء يستهدف سلامة العباد وأمن البلاد، قد يتواصل شهورا عدة، ومن ثم يتناقص الحماس، وتتراخى سبل المتابعة والمراقبة الساعية لتنفيذ القانون! وحتى لا نروح بعيداً بمنأى عن البيّنات والأدلة، حسبنا ملاحظة مئات السيارات التي يقودها أصحابها من دون ربط حزام الأمان، ولسان حالهم يقول: أمان يا ربي أمان! وحق لهم التغني بهذا الموال، لأن جلهم، إن لم أقل كلهم من المواطنين! وفي الوقت الذي اختارت فيه وزارة الداخلية العقوبة الرادعة لتجاوز الإشارة الحمراء، كما الثور الإسباني الخبل! مع الاعتذار الشديد للثور طبعا وقطعاً! نجد أن القيادة الجنونية الفائقة السرعة سلوك وطبع وطني بامتياز! ذو احتكار حصري يقوم به الشباب «حريما وذكوراً»، ويمارسونه في الليل إذا ما خلا من الشرطة، وفي وضح النهار! والأمر «اللي محيرني، وبحلقت» فيه ملياً بعيني الفاضي المتخذ مسوح القاضي: عقوبة الوافد المتجاوز للإشارة الحمراء بالتسفير إلى وطنه الأم، وسحب رخصة قيادته، تبدو لي قاسية جدا، وظالمة ظلماً بواحاً، لكونها خاصة بالمقيمين دون غيرهم من المواطنين!

الحق أنه تعوزني تفاصيل إجراءات السلامة وآليات تنفيذها... إلخ. لكن هذه النقيصة لا تمنع مسألة التفكير بصوت عال في شأنها! مثلاً ما العمل حين يتجاوز السائق حدود السرعة، ويقتحم الإشارة الحمراء، وهو بمعية «المعزب» المعذب المتربع على المقعد الخلفي، دون أن يرف له جفن الخشية عليه وعلى غيره؟! أستعمد إلى تسفير رب العمل، هو الآخر، إلى الموطن الأم لأجداده؟! أم يُكتفى بتغريمه مادياً، وسحب رخصته التي لن تعدم نائباً خدماتياً يعيدها إليه قبل أن يرتد إليه طرفه! ولا يظن ظان بأني مناوئ للعقوبة القاسية الرادعة، فأنا معها حين تطول المخالفين كافة من دون تمييز!

* إن القيمين على المرور والنظافة والبلدية، مطالبون بمعرفة الأسباب التي تحرض الإنسان الكويتي على كسر القوانين المرورية والبلدية حينما يكون في بلده، بينما يتحول خارج الحدود إلى آدمي «جنتلمان» حضاري منضبط كالساعة السويسرية، يصف في طابور المواصلات والسينما والمسرح، ويتقيد بالأنظمة المرعية بكل مناحي الحياة اليومية. والمفارقة جلية لا تحتاج إلى شرح وتنظير و«فلفسة»! لا شك أنه ثمة ازدواجية تجاه إحساس المواطن بالردع في بلده، وحين يكون في البلد السياحي الذي يقطنه! ولن أجازف إذا وصمت هذه الازدواجية بالنفاق الاجتماعي! لأن المواطن لا يحفل بقوانين بلده؛ لكنه يهتم بعدم الخروج عليها خارج الحدود!

ثمة خطأ ما، وهناك خلل لا شك في حضوره الشديد، قد يكون في الإنسان المواطن نفسه، أو يكمن في التراخي بتطبيق العقوبات الرادعة بحزم وحسم لا يعرفان التمييز، ولا يعبآن بسطوة مخلصي المعاملات من النواب الذين ألفوا تأبط ملف المخالفات، بمعية «بشت» الواسطة، بغية إسقاطها بجرة واسطة نافذة المفعول! وكما ترون فإن مشكلة المرور لا تقف عند الحد الذي ذكرناه، بل هي وارمة بالتحديات الجسام التي تستوجب احتشاداً جاداً مستمراً، يتناغم مع ما تطرحه من معضلات نفسية وأخلاقية واجتماعية، تدب على الأرض، وتدرج على الإسفلت المضرج بدماء الأبرياء والضحايا الذين يملؤون عيادات ومستشفيات العظام، فضلا عن قوافل الموتى الذين تحتضنهم المقابر كل يوم!