الملك فاروق!!
لم يكن فاروق «متهتكاً» أخلاقياً كما جرى تصويره و«التشنيع» به والمعروف أن مسيرة «الثورة»، لا سيما في بداياتها في عهد صلاح نصر والمشير عبدالحكيم عامر، قد عانت بشاعة أكثر مما أُلصق بالعهد الملكي وببعض رموزه.
مع أن مسلسل «الملك فاروق» الذي تبثه فضائية الـ «إم بي سي» لم ينته بعد إلا أن ما تضمنته الحلقات الفائتة عن واحدة من أهم مراحل التاريخ المصري تسلَّح كل متردد بالشجاعة ليس الكافية بل «المتهورة» ليسأل أسئلة كان محرماً طرحها، وهذه الأسئلة تتعلق بـ «ثورة يوليو» وضرورتها، وبما إذا كانت أسبابها الفعلية هي التي قام الإعلام الناصري بتسويقها فأصبحت بمنزلة مسلمات مقدسة لا يجوز المس بها أو الاقتراب منها. وحسب ما بُثَّ من حلقات هذا المسلسل فإن مصر كانت في العهد الملكي «البائد» !! دولة مؤسسات ديموقراطية وكان الحكم فيها لهذه المؤسسات الديموقراطية وعلى رأسها البرلمان وكان بإمكان أي رئيس وزراء أن يقول للملك فاروق «لا»، وكان فاروق الذي خضعت صورته لتشويه منهجي شكلاً ومضموناً، رجلاً وطنياً ومصرياً غيوراً وصادقاً ولم تكن تنقصه الثقافة ولا اللباقة والكياسة. لم يثبت لا من خلال ما بُثَّ من حلقات هذا المسلسل ولا من خلال الوثائق المتعلقة بتلك المرحلة التي بدأ الغربيون، لاسيما البريطانيين، يفرجون عنها أن ذخائر أسلحة الجيش المصري التي خاض بها حرب فلسطين الأولى كانت فاسدة... والثابت أن كل ما في الأمر أن هذه الأسلحة أشبه بأسلحة الجيش العربي (الأردني) والجيش السوري وكل الجيوش التي اشتركت في هذه الحرب، كانت متخلفة قياساً على الأسلحة الإسرائيلية... والسبب أن كل الدول العربية كانت حديثة النشأة وأنها كلها ما إن خرجت من ظلام الحقبة العثمانية الطويلة حتى أصبحت في قبضة الدول الاستعمارية الغربية. ما كان الملك فاروق عميلاً للإنكليز كما صوره إعلام ثورة الضباط الأحرار والإعلام الذي تأثر بإعلام ثورة الضباط الأحرار، بل من المؤكد أنه كان أكثر قرباً إلى دول المحور بقيادة ألمانيا النازية ليس حباً في هذه الدولة ولا قناعة بهتلر وبأفكاره وتصوراته ونظرياته الشيطانية بل كرهاً في بريطانيا والاستعمار البريطاني البغيض الذي قطع الطريق على النهضة العظيمة التي كان أرسى أسسها محمد علي باشا، الذي جاء إلى مصر متأثراً -إلى أقصى الحدود- بالنهضة الأوروبية وبالثورة الرأسمالية المجيدة في أوروبا. لم يكن فاروق «متهتكاً» أخلاقياً كما جرى تصويره و«التشنيع» به، والمعروف أن مسيرة «الثورة»، لاسيما في بداياتها في عهد صلاح نصر والمشير عبدالحكيم عامر، قد عانت بشاعة أكثر مما أُلصق بالعهد الملكي وببعض رموزه، وهو (أي فاروق)، لم يكن «إمَّعة» تُسَيِّره حاشية القصر وتغرقه بالموبقات حتى عنقه... لقد كان حبه لمصر لا حدود له وكان كرهه للمستعمرين الانكليز بلا حدود، وإذا كان قد جاراهم في الكثير من الأحيان فلأنه كان يغلب المصالح المصرية العامة على الكرامة الشخصية. إن العرب بحاجة بل بأمس الحاجة إلى إعادة النظر في تاريخهم القريب والبعيد، ولعل ما لا جدال فيه ولا نقاش حوله هو أن العهد الملكي في العراق قد لحق به ظلم أكثر من الظلم الذي لحق بالملك فاروق وبالعهد الملكي في مصر، وأن الثورة التي أطاحت في عام 1958 بفيصل الثاني كانت في حقيقة الأمر انقلاباً دموياً «مشبوهاً» فتح الأبواب أمام كل هذه المسيرة الدموية البشعة التي انتهت إلى استدراج الاحتلال الحالي استدراجاً متصلاً... وحلقة بعد حلقة. لا يجوز الاستمرار بالتعاطي مع أدبيات الانقلابات العسكرية التي ابتليت بها بعض البلدان العربية على أنها مقدسات يجب ألاَّ تمس فهذه الانقلابات، التي صادرت عقول وقلوب أجيال خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي وشوهت كل ما كان قبلها من عهود وأنظمة، يجب أن تخضع للنقد والمراجعة، ويجب ألا يبقى التعامل معها كبقرات مقدسة فالتاريخ لن يصبح تاريخاً يستحق الاعتزاز به والتقدير له ما لم تتم تنقيته مــن الشوائب وما لم تجر إعادته إلى مسيرته الصحيحة !! * كاتب أردني