الخطوة الأولى

نشر في 01-05-2008
آخر تحديث 01-05-2008 | 00:00
 صالح القلاب

من المستبعد جداً أن يشهد هذا الشهر (مايو) قمة سورية-إسرائيلية أو تقدماً كبيراً على طريق استئناف المفاوضات، فلإسرائيل حسابات داخلية وخارجية كثيرة، وهناك اشتراطات تعجيزية سيبرزها المفاوض الإسرائيلي في اللحظة الحاسمة، وكذلك فإن للرئيس بشار الأسد حسابات خارجية وداخلية كثيرة، وهذا يحتاج إلى المزيد من الوقت.

كل الأدلة والمعطيات تشير إلى أن هذا الذي يجري بين سورية وإسرائيل جديٌّ، وأن الأمور قد تتلاحق بسرعة ويشهد شهر مايو، الذي بدأ أول أيامه في هذا اليوم الخميس، ما لم يكن متوقعاً ولا متخيلاً حتى في الأحلام عندما كان طعم «الانتصار الإلهي» الذي حققه «حزب الله» في حرب يوليو عام 2006 لايزال في الحلوق، وعندما كان هناك من يزيِّن لدمشق ويدفعها إلى إعلان الكفاح المسلح وحرب الشعب الطويلة لتحرير الجولان المحتل.

في البداية عندما واصل وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك إبداء استعداده لاستئناف المفاوضات مع سورية المتوقفة منذ عدة أعوام ظن كثيرون أن الأمر مجرد لعبة إسرائيلية داخلية، وأن هذه اللعبة تأتي في إطار تحضيرات واستعدادات القوى والأحزاب المتعارضة لمعركة الانتخابات التي من المقرر أن تجري في العام المقبل، والتي من المتوقع أن تكون معركة كسر عظم وحاسمة.

وحتى التصريحات التي أطلقها كبار المسؤولين السوريين والتي تحدثوا فيها عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أبلغ طرفاً ثالثاً، ثبت أن المقصود هو الوساطة التركية التي جرى الإعلان عنها بصورة رسمية خلال زيارة رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان، والتي حركت الأمور على هذا النحو، لم تؤخذ على محمل الجد، وظن كثيرون أن المسألة هي مجرد مناورة بارعة بادرت دمشق إلى إلقائها في وجه الرئيس الأميركي جورج بوش، وفي وجوه كل الذين لا ترتاح لرؤية وجوههم ليس في لبنان فقط إنما في هذه المنطقة كلها.

فهل هناك شيء فعلي وقريب بالفعل؟!

في أنقرة قال وزير الخارجية التركي علي باباجان: «إن الطريق لايزال طويلاً... نحن مازلنا في بداية عملية التفاوض... إن أنقرة ستواصل العمل كساعي بريد بين الطرفين إلى أن تصبح الأمور ناضجة بما يكفي لإجراء مفاوضات مباشرة».

لكن ما تجدر الإشارة إليه هو أن إيهود أولمرت، الذي يبدو أنه مستعجل جداً، بادر إلى تعيين يورام طوربوتس وهو رئيس طاقمه وأمين أسراره مفاوضاً رئيسياً مع الجانب السوري لدراسة إمكان استئناف المفاوضات مع دمشق التي لاتزال الولايات المتحدة، كما يبدو تعارضها، وترى أنه لم يحن أوانها، وأنه على دمشق قبل الذهاب إلى هذه المفاوضات أن تتخذ خطوات حسن نوايا في لبنان وفي العراق وبالنسبة للوضع الفلسطيني، وإغلاق مقار وقواعد بعض التنظيمات الفلسطينية على الأراضي السورية.

إنه زمن اللامعقول فهل من الممكن يا ترى أن يتحدى إيهود أولمرت الرغبة الأميركية ويذهب بالغزل مع سورية، الذي يجري بوساطة تركيا، إلى حدود الالتقاء بالرئيس بشار الأسد وعقد صفقة الجولان التي من غير المتوقع أن تتم من دون أن يحقق الإسرائيليون بعض شروطهم المعروفة القديمة؟!

كل شيء جائز، فرئيس الوزراء الإسرائيلي لا يجد أنه ملزم الآن بتقديم ما كان ملزما بتقديمه لإدارة الرئيس بوش قبل عام أو عامين، هذا مع أنه لم يقدم على هذا الصعيد في ذلك الحين أي شيء، فهذه الإدارة راحلة وتحركاتها السياسية ليست سوى محاولات يائسة لتسجيل أهداف في الوقت الضائع، والمعروف أن الإسرائيليين عوّدوا الأميركيين وغير الأميركيين على أنهم بارعون في لعب لعبتهم في مثل هذه المناسبات.

هناك أدلة ومعطيات على أن هذا الذي يجري في غاية الجدية ولكن ومع ذلك فإنه من المستبعد جداً أن يشهد هذا الشهر (مايو) قمة سورية-إسرائيلية أو تقدماً كبيراً على طريق استئناف المفاوضات، فلإسرائيل حسابات داخلية وخارجية كثيرة وهناك اشتراطات تعجيزية سيبرزها المفاوض الإسرائيلي في اللحظة الحاسمة، وكذلك فإن للرئيس بشار الأسد حسابات خارجية وداخلية كثيرة وهذا يحتاج إلى المزيد من الوقت، لكن وكما قال ماوتسي تونغ: «إن طريق الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة»!!

* كاتب وسياسي أردني

back to top