هل نتوقع قريباً مبادرة وطنية لمشروع وطني ديموقراطي متوافق عليه ومستند إلى دستور 1962 الذي أكدت القوى السياسية في بيان 6 أكتوبر اعتباره خطّاً أحمر...؟إذا كنا نلقي باللائمة على الحكومة في عدم القدرة على المبادرة لطرح وتبنّي مشروع تنموي استراتيجي ينتشل البلد من حالة التيه التي يمر بها منذ مدة ليست بالقصيرة، فإننا يجب ألا نغفل الدور الذي من المفروض أن تقوم به القوى السياسية أو المعارضة إن صحت التسمية، لتقديم البديل التنموي للخروج من الأزمة السياسية الحالية. ففي الدول الديموقراطية لا تكتفي المعارضة بانتقاد السياسات الحكومية بل تقدم رؤيتها البديلة للنهج الحكومي. صحيح أن الوضع هناك يختلف إلى حد ما، لأن المعارضة هناك تطرح بديلها للحكم في محاولة لكسب تأييد الناخبين، ولكنها تقوم أيضاً بالضغط على الحكومة لتبنّي سياساتها البديلة للسياسات الحكومية المعمول بها، فالحزب الديموقراطي في أميركا مثلاً لا يكتفي بمعارضة سياسة الإدارة الأميركية الحالية في العراق، بل يطرح ما يراه البديل المناسب مطالباً الحكومة بتبنيه، كما يحاول حشد رأي عام مؤيد لهذا البديل ليشكل قوى ضغط إضافية على الحكومة، وكذلك الحال في بريطانيا، إذ يطرح حزب المحافظين المعارض سياسات بديلة للسياسات الحكومية ويضغط على حكومة حزب العمال لتبنّيها.
أما في الكويت فإن القوى السياسية التي «تعارض» أو تنتقد النهج الحكومي لا تبادر بطرح مشروعها الوطني البديل بشكل منهجي متكامل، بل تكتفي عوضاً عن ذلك بالانتقاد «الانتقائي» لتفاصيل سياسة عامة هنا وأخرى هناك، وكفى الله المؤمنين القتال. لذا فإن كنا نتهم الحكومة بالضعف وعدم المبادرة وغياب الرؤية التنموية، فإن القوى السياسية هي الأخرى ضعيفة، ولم تستطع حتى الآن أن تشكل معارضة منظمة تبادر بطرح رؤى ومشاريع تنموية بديلة.
ولكن، رغم ذلك، فإن هناك بصيص أمل نتج عن بيان 6 أكتوبر الذي أصدرته القوى السياسية، والذي يعتبر نقطة انطلاق مهمة من الممكن استكمالها إذا استطاعت هذه القوى تفعيل آلية العمل المشترك والتوافق على برنامج الحد الأدنى «لتعزيز المكتسبات الدستورية وتحقيق الإصلاح والتنمية ومواجهة الفساد مع التصدي الجاد بالدراسة والبحث للواقع السياسي وما يكتنفه من أزمات سياسية مستمرة، وصولاً إلى الاتفاق بينها على صياغة رؤية وطنية لبناء الكويت الحديثة ودعوة الجميع إلى العمل على أساسها» كما ورد في البيان، على أن يتبع ذلك تقديم هذه القوى مشروعها التنموي الاستراتيجي البديل بشكل واضح ومعلن، ثم تتولى عملية التبشير به والدفاع عنه.
وكما ذكرنا في مقال سابق، فإن كانت بعض القوى السياسية الموقعة على البيان غير متحمسة أو لها رؤية مختلفة للمستقبل، فإن على القوى الوطنية الديموقراطية تحديداً مسؤولية وطنية للمبادرة في تقديم رؤية وطنية متكاملة لبناء كويت المستقبل، وألا تكتفي بعملية انتقاد تفاصيل بعض السياسات الحكومية فقط. فسوء الوضع العام يتحمله الجميع وإن بدرجات متفاوتة، فالحكومة تتحمل مسؤولية غياب الرؤية التنموية الاستراتيجية لاستكمال بناء الدولة الديموقراطية العصرية كونها المهيمنة، بحسب الدستور، على مصالح الدولة. والقوى الوطنية الديموقراطية، على الجانب الآخر، تتحمل مسؤولية طرح البديل الديموقراطي التنموي المناسب للخروج من الأزمة السياسية الراهنة وحشد الرأي العام للضغط على الحكومة لتبنيه، ولنا في الحملة السياسية الوطنية لإصلاح النظام الانتخابي «نبيها خمس» خير مثال على ذلك.
فهل سنرى تحركّاً إيجابياً من القوى السياسية يتعدى إصدار البيانات وينفذ بشكل عملي ما أكدت عليه هذه القوى في بيان 6 أكتوبر؟ بمعنى آخر، هل نتوقع قريباً مبادرة وطنية لمشروع وطني ديموقراطي متوافق عليه ومستند إلى دستور 1962 الذي أكدت القوى السياسية في بيان 6 أكتوبر اعتباره خطّاً أحمر...؟
نتمنى ذلك، فوطننا يستحق، ونحن في الانتظار.