الشال والعُقاب
بالأمس هاتفني الصديق والشاعر الرقيق سليمان الصقير وقال لي: سأمر عليك لنخرج للصحراء لـ«ندعي» الطير أي ندرب الصقر على مطاردة فرائسه في الجو، وتتم هذه الطريقة بإطلاق حمامة قاتمة اللون، بعد «نتف» قليل من ريشها، في الفضاء ومن ثم رفع برقع الطير ومناداته باسمه، ثم يأخذ بالتلفت يمنة ويسرة حتى يرى الحمامة المحلقة، ومن ثم يرفع جناحيه قليلا رغبة في الانطلاق، ثم يتركه الصقار ليمارس الطرد، وأقول «الطرد» لأن العرب كانت تسمي هذه الطريقة بهذا الاسم، وهي تنضوي تحت علم البيزرة المتعلق بهواية الصيد سواء كانت عن طريق البزاة أو الصقور أو الكلاب السلوقية او حتى الفهود، لأن العرب قديما كانت تصطاد بالفهد بعد تدجينه وتدريبه، ما علينا من ذلك كله، المهم أنني حينما هممت بالركوب بجانب الصديق سليمان وقعت يدي على شال حريري زاهي التطريز، وكانت تفوح منه رائحة عطر نفاذ، فقلت له ما هذا؟ وهنا قال لي ضاحكاً أرجوك ان تشم هذا الشال الأسود الشفاف ففهمت قصده وقلت «قاصداً»:
يومن تعطيني أشم الشال ما تقول لي الشال وش لي به؟! كان أنت «يا بو جنا» رجّال عطني جواله وأنا أجيبه فقال لي على الفور: لا لأ. فأكملت الأبيات مواصلاً: «يا صاحبي وأعرفك رجّال عقاب وصادق مخاليبه وأنت تخبر يوم هن أجوال صاحبك وتعرف مضاريبه بوقت مضى يومنا جهّال والرأس ما كان به شيبه» إلا أن أباجنا الصقير قال بدون قصد مسبق: اليوم برأسك أظن موال والظاهر تبغي تغني به؟! فقلت له: والله لا حدك لطار الجال وانا اعرف الشر تحري به ومعه لعانة وزود اهبال واللي على لسانك تجيبه وهنا قال لي أرجوك يا ابا سامي ان تقف عند حد الشال موضوع الاستثارة ولا تمعن في هجوي، فقلت: والله لأهجونك بما هو فيك فواصلت القول: عذروبك انك وسيع البال وبوجهك ما شفت تعصيبة وعذروبك انك عزيز اقبال وبيتك اضيوفك معازيبه ثم ابتسم صديقي الشاعر وقال ما دام الامر كذلك فلتستمر بالهجاء ما شئت، ولكي اقطع عليه ما محضته من مديح قلت مكملا: بقي عذروب بعد ما انقال مازلت تغازل يا هالشيبه واخيرا ولكي اطيب خاطر صاحبي ابي جنا قلت ما دحا: «يفداك (يا بوجنا) الانذال صديقي وما حلى عذاريبه» وصلنا الى سهل شاسع حتى حدود البصر، ثم اخرج الحمامة وطوحها في الهواء ونزع برقع الصقر، الذي انقض عليها كالسهم، ولكنه قبل ان يتمكن منها بمخاليبه الحادة لست أدري كيف انقض عليه عقاب كاسر جعل ريشه بددا في الأنحاء ليطير بالحمامة وحده، حيث يتربع فوق قمم السحاب ليأكل فريسته بكل هدوء. أليس العُقاب هو اذن ملك الفضاء وامير الطير وهو أمنع الكائنات، لذلك قال العرب «امنع من عقاب الجو»، وهكذا صدق الشاعر في احد ابيات القصيدة السابقة.