Ad

ثمة جريمة كبرى ترتكب اليوم في حق الشعوب والأوطان والقيم الإنسانية كلها تحت غطاء محاربة الإرهاب أو الاستبداد أو الكفاح من أجل انتزاع الحرية والاستقلال! والجريمة هي الاستظلال بعلم الأجنبي القاتل والمحتل والمستعمر والناكث للعهود والبائع لحلفائه.

ما يحدث هذه الأيام من كوارث في كل من العراق ولبنان وفلسطين بشكل عام، لابد أنه يؤرق الكثيرين من أبناء أمتنا إلى أي فئة أو مذهب أو دين انتموا، لكن ما يؤرقني أنا شخصياً أكثر من غيري يعود إلى أمر آخر لا يقل خطورةً عن الأمر الكارثي المعلن والمكشوف إن لم يكن أكثر خطورة وأشد إيلاماً!

فما يجري «تحت الطاولة» من اتفاقات وتوافقات بين من كانوا حتى الأمس القريب جزءاً من المعارضة الوطنية والإسلامية أو ممن رفعوا أخيراً راية الحرية والسيادة والاستقلال، والأجنبي -نعم الأجنبي- على حساب أكثرية أبناء شعبهم أمر لا يمكن قبوله أو السكوت عنه تحت كل الظروف وفي كل المعايير المتبعة في الديموقراطيات المعلنة جميعها، إضافة إلى المبادئ والقيم التي تشدق بها هؤلاء يوماً أو لا يزالون يتشدقون بها!

فماذا يعني أن يسكت أو بالأحرى «يلحس» رئيس... كلامه واعتراضه على شركة أمنية إرهابية غير قانونية وغير شرعية في أي دستور عالمي أو وطني، مارست أبشع أنواع التقتيل بحق أبناء وطنه، لأن وزيرة خارجية المحتل هددته بنزع الدعم عنه وعن البطانة من حوله؟! وهي قضية وحدها فقط كافية بأن تؤدي إلى انتفاضة استقلال أو كحد أدنى إلى قرار شجاع وجريء يطالب فوراً بجدولة انسحاب المحتل!

أو ماذا يعني أن يطالب رئيس... بالإبقاء على قواعد ثابتة للمحتل في بلاده، وهو يعرف تماماً ما هي وظائف هذه القواعد وتهديداتها المنظورة وغير المنظورة على شعبه وسيادة بلده وأمن بلدان الجوار وسيادتها التي يتغنى بصداقتها ويطلب ودها يومياً، ويطالبها في الوقت نفسه وبإلحاح منقطع النظير بعدم التدخل في شؤون بلاده، ماذا يعني أن تقف بلاده مكتوفة الأيدي أمام ما يحضر لها وانطلاقاً منها هي -وعلى رؤوس الأشهاد- من عمليات التجسس على أمنها القومي والعمل على زعزعة الاستقرار فيها والإطاحة بنظامها؟!

أو ماذا يعني أن يذهب رئيس تكتل.... إلى البلد الذي ساهم بفاعلية في تقتيل أبناء شعبه بالقنابل الذكية والغبية على مدى أكثر من شهر ودعّم كل جهد لإثارة الشقاق والفتنة وتكسير العظام بين أبناء البلد الواحد ويمارس الفيتو العلني والوقح بوجه أي اتفاق وطني محلي، ليطالب رئيس هذا البلد بالتدخل والحماية المباشرة ويعلن على رؤوس الأشهاد أيضاً أنه الحليف الذي يثق به كل الثقة؟!

أو ماذا يعني أن يذهب رئيس... إلى حد التطابق مع عدوه التاريخي والقومي والديني والوجودي في ممارسة سياسة الحوار بين الرأي والرأي الآخر حتى لا نقول أكثر من ذلك ولا يقبل، بل يرفض، الوساطات والمبادرات كلها الداعية إلى العودة إلى طاولة المفاوضات مع خصومه الداخليين، ويتحمل وزر المساهمة في تجويع جزء من أبناء شعبه ومعاملتهم معاملة «المحاصرين في شِعب أبي طالب» فقط لأن فصيلاً منهم انقلب على إرادته أو برنامجه؟!

إنه أمر لم يعد مقبولاً أن يستمر هكذا من دون محاسبة أو عقاب! نعم لأن الأمر لم يعد ولا يمكن أن يتحول إلى مجرد وجهة نظر أو اختلاف في الرؤية السياسية، ومنذ متى كان الاستقواء بالأجنبي على الأهل أو خيانة مبادئ الاستقلال والسيادة والحرية مجرد وجهة نظر؟! ألم تكن حتى الأمس القريب وعند المذكورين أعلاه على وجه الخصوص خيانة عظمى يلاحق فيها المتهم وتعلق مشنقته؟!

ثمة جريمة كبرى ترتكب اليوم بحق الشعوب والأوطان والقيم الإنسانية كلها تحت غطاء محاربة الإرهاب أو الاستبداد أو الكفاح من أجل انتزاع الحرية والاستقلال! والجريمة هي الاستظلال بعلم الأجنبي القاتل والمحتل والمستعمر والناكث للعهود والبائع لحلفائه، إضافة إلى عملائه في سوق النخاسة الدولي، كما هو مسجل في تاريخه الحافل، ويراد منا أن نطمئن إليه ونسلمه زمام أمور بلادنا!

يستحضرني في هذا السياق كلام وموقف معبر جداً لأحد زعماء الاستقلال والسيادة والحرية من زعماء الثورة المشروطة الإيرانية -الثورة الدستورية في بداية القرن المنصرم- العلامة الكبير الشيخ فضل الله نوري، وذلك عندما كان محاصراً من قبل خصومه الداخليين الذين انشق عنهم أو انشقوا عنه وأصبحت حياته في خطر شديد، كما الثورة نفسها، فعرض عليه سفير روسيا القيصرية يومها بإلحاح بالإضافة إلى سفراء بريطانيا وهولندا، رفع علم بلادهم فوق منزله من أجل استمالته إلى جانبهم، وهو ما كان يومها كافياً لحمايته من أي اعتداء، الأمر الذي كان قد لاقى تأييد بعض أنصاره أيضاً، لكن الشيخ أبى ذلك وقال كلمته الشهيرة يومها: «لقد قضيت سبعين سنة من حياتي تحت راية الإسلام، ولا أريد أن أقضي بقية عمري تحت راية الكفر... ردوا العَلَم من حيث جاء!».

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي- الإيراني