واشنطن بين حليفين لدودين!!

نشر في 02-11-2007
آخر تحديث 02-11-2007 | 00:00
 د.عبدالحسين شعبان

ثمة مفارقات تحكم المشهد السياسي الراهن في تركيا؛ المفارقة الأولى تأتي من كون تركيا حليفاً أساسياً واستراتيجياً للولايات المتحدة، والثانية: ماذا لو هاجمت تركيا الأراضي العراقية وأحدثت نوعاً من الارتباك والفوضى بما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار والأمن، وتصدّع التجربة الكردية في العراق، فهل ستقوم واشنطن بمنعها من التوغل؟! والثالثة: أن خطوة الاجتياح التركي وحّدت الجيش التركي مع حكومته رغم الارتيابات بينهما، والرابعة: أن تركيا التي تجتاح الأراضي العراقية حصلت على دعم عدوين أو خصمين تقليديين هما إيران وسورية.

لم تخفِ تركيا استياءها حيال المحاولات السياسية والدبلوماسية لثنيها عن اجتياح الأراضي العراقية، بحجة مطاردة الجماعات المسلحة من قواعد حزب العمال الكردستاني (PKK)، وذهب رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان إلى انتقاد وزيرة خارجية الولايات المتحدة كوندوليزا رايس عندما دعت تركيا إلى ضبط النفس، مشيراً إلى أن قرار الاجتياح «هو شأن يعود إلينا»، وأضاف: إن الناس يتساءلون ما الذي يفعله الأميركان على بعد عشرة آلاف كيلومتر من ديارهم في العراق؟ وأكد أن بلاده مصممة على عمل عسكري في شمال العراق «كردستان» متى اقتضى الوضع ذلك.

وكان الرئيس التركي عبدالله غول قد أكد أن صبر بلاده يكاد ينفد وأنه مصممٌ على «اجتثاث» قواعد حزب العمال الكردستاني (PKK) في شمال العراق التي تنتشر في كهوف جبل قنديل المعروف بوعورته، الذي يزيد ارتفاعه على سبعة آلاف وثمانمئة قدم (7800) وتغطّيه الثلوج طوال أيام السنة تقريباً باستثناء شهري يوليو وأغسطس.

ورغم وصول وفد عراقي لإجراء محادثات مع تركيا، إذ كانت أنقرة قد طلبت إرساله في الحال وبتفويض كامل، فإن محاولات تفادي ضربة عسكرية لم تتأكد، بل إن قصفاً تركياً لقرى كردية وللمسلحين حصل فعلاً، وإن أنقرة بدأت بفرض عقوبات اقتصادية على المنطقة الكردية العراقية وسلطات إقليم كردستان التي لا تعترف بها أصلاً.

ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن تركيا أكبر شريك تجاري للعراق، إذ تسعى إلى تحويل خطوط النقل البرية من معبر خابور الحدودي مع العراق إلى معابر أخرى على الحدود السورية لتجنب المرور في المنطقة الكردية.

ثمة مفارقات تحكم المشهد السياسي الراهن، خصوصاً علاقة واشنطن بالحليفين اللدودين (تركيا والحركة الكردية).

المفارقة الأولى تأتي لكون تركيا حليفاً أساسياً واستراتيجياً للولايات المتحدة، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي دولة كبيرة ولديها قوة عسكرية ضاربة ودور إقليمي مهم، وعلى الأقل هي في الضفة الأخرى مقابل إيران، كما أنها تحتفظ بعلاقات مع إسرائيل منذ عام 1949 كأول دولة إسلامية اعترفت بها، وتوجد بينهما علاقات سياسية واقتصادية وطيدة واتفاقيات أمنية متينة، حتى أن إسرائيل اضطرت إلى الاعتذار على غير عادتها، بسبب اختراقها للأجواء التركية ورميها بعض العلب الفارغة بعد قصفها أحد المواقع السورية في 6 سبتمبر 2007.

من جهة أخرى فإن الحركة الكردية العراقية حالياً هي حليف مهم للولايات المتحدة في العراق، بل إنها موثوق بها، في حين أن البنية السياسية العراقية تاريخياً هي معادية للولايات المتحدة، ورغم أن الحكومة العراقية الحالية هي من حلفاء الولايات المتحدة، فإنها حليف أقل موثوقية قياساً على الحركة الكردية، بسبب علاقاتها المزدوجة مع إيران!

المفارقة الثانية: ماذا لو هاجمت تركيا الأراضي العراقية وأحدثت نوعاً من الارتباك والفوضى بما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار والأمن وتصدّع التجربة الكردية في العراق، سواء بحجة التصدّي لحزب العمال الكردستاني أو حماية الأقلية التركمانية، خصوصاً في كركوك المتنازع عليها، أو لمنع تمدد الفدرالية الكردية لكي لا تترك انعكاساتها السلبية عليها؟

فهل ستقوم واشنطن بمنع تركيا من التوغل وبأي الوسائل ستفعل ذلك؟ فتركيا سبق لها أن «تمردت» على الحليف الاستراتيجي الأميركي بمنع استخدام أراضيها وأجوائها لغزو العراق 2003، وهي ترفض بشدة حالياً مبدأ الفدرالية، أما إذا ردّت واشنطن مفضّلة حليفاً أصغر وجزءاً من دولة، وعلى كيانه الذاتي الفدرالي إشكاليات كثيرة عراقية وإقليمية ودولية، فإنها ستخسر حليفاً كبيراً ومهماً ودولة كبرى في المنطقة وعنصر «اعتدال» رغم فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي قياساً على الجمهورية الإسلامية في إيران، وبعض الحركات الإسلامية الراديكالية التي تناصب الولايات المتحدة العداء.

وقد شنّت الولايات المتحدة منذ فوز حزب العدالة والتنمية حملة إعلامية ضد تركيا بسبب المذابح التي ارتكبت ضد الأرمن عام 1915، وكانت قد سبقتها إليها فرنسا وغيرها وذلك في محاولة لإجبار تركيا على الاعتذار ولإضعاف موقف حزب العدالة والتنمية أمام الرأي العام القومي التركي المهيمن، والذي يرفض حتى الآن تقديم مثل هذا الاعتذار.

المفارقة الثالثة: أن خطوة الاجتياح التركي وحّدت الجيش التركي مع حكومته رغم الارتيابات بينهما، أي عززت العلاقة بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة السياسية، وذلك حين نجحت الحكومة في التلويح بالخطر الخارجي. وحظيت خطوة الحكومة التركية، إضافة إلى موافقة الجيش بموافقة البرلمان، أي المؤسسة الدستورية، في حين أن خطوة الاجتياح التي أدانها البرلمان الكردستاني العراقي وندّدت بها حكومة إقليم كردستان لم تحظَ بنفس الدرجة من الوحدة الوطنية، فقد كانت حكومة الإقليم قد تحفظّت على الاتفاقية العراقية-التركية، كما أن المواقف الرسمية وغير الرسمية في العراق لم تكن موّحدة إزاء حزب العمال الكردستاني والاجتياح التركي.

المفارقة الرابعة: أن تركيا التي تجتاح الأراضي العراقية حصلت على دعم عدوين أو خصمين تقليديين هما إيران وسورية، في موقفهما من حزب العمال الكردستاني، وكذلك في موقفهما من الفدرالية، في حين أن العراق وحكومة الإقليم، لم يكن لديهما حلفاء، إضافة إلى الانقسام الداخلي والتشظي المجتمعي والاحتقان المذهبي والتوتر الأمني، ولم تكن الإدانات العربية والإسلامية حازمة لدرجة تجعل تركيا تفكّر في عواقب موقفها على الصعيد الإقليمي، ناهيكم عن انعكاساته على السلم والأمن الدوليين.

فهل ستختار واشنطن الحليف الأضعف أم ستراعي مصالح الحليف الأقوى، أم أنها تسعى إلى التهدئة والتسوية السلمية والدبلوماسية، وقد يكون هذا الخيار ممكناً أو غير ممكن، فلا بد لها من الاختيار حتى إن كان اضطراراً؟!

* كاتب ومفكر عربي

back to top