الفحيحيل مرتع صباي لعبدالرزاق الرفاعي نجحت المسرحية فتحول اسمي من عبدالرزاق السيد إلى أبورجسا
كتاب «الفحيحيل مرتع صباي» لمؤلفه عبد الرزاق السيد يوسف الرفاعي يرصد حقبة مهمة في تاريخ قرى الكويت القديمة، ويعرض الزمن الجميل، ويرصد فيه الكاتب حقبة ما قبل ظهور النفط وتأثيره في معيشتنا.
الجريدة تنشر أجزاء من الكتاب وبتصرف. وفي هذه الحلقة يعرض المؤلف لأسماء أول دفعة تخرجت من مدرسة الفحيحيل، والنشاطات المدرسية والمسرحيات التي كانت تقام في المدرسة، ويعرض كذلك لشعراء من الفحيحيل والألعاب التي كان يلعبها صغار قريته والتي تكاد تكون اندثرت في وقتنا الحالي.كان هناك العديد من أسماء المدرسين الموفدين إلى الفحيحيل، ومن أسماء الأساتذة الذين لا يغيبون عن الذاكرة كل من ناظر مدرستنا الأستاذ (أبو سميح الطيبي – من عائلة الطيبي الفلسطينية) والأستاذ علي المشعلجي والأستاذ أبوالعبد أحمد القاسم، والأستاذ وليد البورنو، والأستاذ حسين عفان من أهل البصرة.. وغيرهم. أسماء أول دفعة تخرجت من مدرسة الفحيحيلوفيما يلي أسماء أول دفعة تخرجت من مدرسة الفحيحيل وانتظمت في الدراسة في ثانوية الشويخ وكان منهم: - خاطر المياس - جاسم السلطان الدبوس - فهد نايف الدبوس - عبدالله الشنوف ثم تبعتهم الدفعة الثانية وهم: - عبدالله الضويان - سعد المبارك - خالد السفيح - عبدالرزاق السيد يوسف الرفاعي - محمد الرسام - عبدالله عدس - عبدالرزاق المطوع إلا أن هذا الأخير فضل الدراسة في دمشق وتخرج منها مدرسا ومارس التدريس في مدرسته نفسها في الفحيحيل وقد حزنا على فراق مدرستنا بدلا من الفرح بالتخرج منها، وذلك لتعلقنا بها كثيرا. وياليتك أيها القارئ الكريم تلقي نظرة من نافذة التاريخ على تلك الحقبة من الزمن التي - كما قلت لك – تعتبر من أجمل وأسعد أيام عمري، فقد استحوذت هذه المدرسة على عقولنا وقلوبنا لدرجة أننا كنا نوجد فيها حتى في غير أوقات الدراسة، وإذا لم يفتح الحارس لنا أبوابها اكتفينا بالجلوس تحت حيطانها. المسرح المدرسي ومسرحية (أبو رجسا) ومن النشاطات التي كلفنا بها إقامة حفلة ترفيهية عند منتصف الدورة الدراسية التي تسبق عطلة بعد منتصف السنة أي عطلة الربيع فيقام مسرح كبير في وسط ساحة المدرسة ويدعى إليها جميع أولياء الأمور وتقدم فيها الأناشيد والكلمات الترحيبية، وفي نهاية الحفلة لابد من تمثيلية هزلية تدخل السرور الى جمهور المتفرجين وكلفني ناظر المدرسة بأن أقوم بتأليف تلك المسرحية وكذلك بطولتها، وكانت بعنوان «أبو رجسا» ووزعت أدوارها على بعض الزملاء، وتلخص حكايتها بأب لديه عدة بنات يريد تزويجهن بمن يكون كفؤا لهن، فيتقدم الخطاب لذلك الأب الذي هو أنا ولكنهم لا يفلحون لجشع الوالد وطمعه، فوافقت هذه المسرحية مزاج وهوى المتفرجين لما فيها من مواقف هزلية جعلت الضحك متواصلا بينهم، ومما زاد هذه المسرحية ظرفا ان مفرح الوارد الذي يقوم بدور صباب القهوة نسي ان يضع الطاسة على رأسه تحت الغترة لتقيه الألم عندما أضربه على رأسه ليقوم بصب القهوة للضيوف فلما ضربته على رأسه انبثق الدم غزيرا منه وهنا خرجت عن النص وصرخت به قائلا الم اقل لك ضع الطاسة على رأسك فانفجر الجمهور ضاحكا. ونجحت هذه التمثيلية نجاحا باهرا، ولكن اسم هذه المسرحية (أبو رجسا) علق بي لمدة طويلة وتحول اسمي في الفحيحيل من عبدالرزاق السيد الى (أبورجسا)، ولا أخفيك سرا أيها القارئ الكريم أنني أحس بسعادة كلما سمعتهم ينادونني بهذا الاسم، لإحساسي أنني قدمت شيئا أسعد أهل قريتي. كيف كنا نقضي عطلاتنا؟ ربما يتساءل البعض كيف كنا نقضي أوقاتنا وخصوصا في العطل الطويلة كعطلة نصف العام أو العطلة الصيفية فخير ما نقضي به فراغنا ربيعا هو صيد الطيور المهاجرة. فيصادف حلول عطلة الربيع فترة هجرة الطيور من المناطق الدافئة متجهة الى الشمال إذ تبدأ درجات الحرارة بالاعتدال فنكون في انتظارها مستعدين لها، فتفجع تلك الطيور المسكينة التي تعتبر ضيوفا عندنا بفقدان كثير من زملائها تحت وطأة وسائل صيدنا المتعددة كالفخاخ والصلاليب والنبابيط وغيرها. وأذكر من هذه الطيور التي كنا نصطادها (الحمامي العربي) والحمامي الحساوي، هذان النوعان كنا نحرص على صيد طيورهما أحياء لنقوم بتربيتها لجمال منظرها. ومن أسماء الطيور التي لا يستهان بجمالها: الرماني، أم دكي، الذبابي، الكليبي، الدسيسي، جلب أشول، الزعرة، القفصي، النكاكة، الحسيني، سويدا رأس، رفيطا جناح، الشولة، الحمروش، المخضرم، البريقش، ميرا رأس، المردم، المطرق، الطيور المهاجرة أما الطيور المهاجرة والأكبر حجما فهي: حمام البر، الكبسة، الخاضور، بو الخصيف، القطا، أبو حكب، الصفرة، الزرقي، الخضيري، الفريرة، الحدبة .. وغيرها ولكن هذه الطيور المسكينة لا تأخذ درسا مما أصابها عند هجرتها الأولى ومرورها علينا في فترة الربيع فتكر راجعة في فصل الخريف سالكة الطريق نفسه الذي سلكته في هجرتها إلى الشمال فنكون في انتظارها مع عدة الصيد وكلنا شوق إليها. ولكننا الآن وفي هذه الأيام لم نعد نرى تلك الطيور الجميلة فلا أعرف هل انقرضت أو قل وجودها بسبب الضوضاء الملعونة وفقدان الهدوء النقي وكثرة تلوث الجو الذي كانت تنشده من قبل في بلدنا، وحبذا لو أن الحكومة أكثرت من إنشاء المحميات لتلك الطيور وهيأت لها الطبيعة المناسبة لتتكاثر وتتعايش معنا في بيئتنا الكويتية، وتنشئ في كل زاوية من زوايا تلك المحميات متحفا يحنط ويحفظ فيه كل نوع من أنواع هذه الطيور، ليطلع عليها الجيل الجديد ويتعرف على أسمائها وطباعها. ولا يسعني ونحن نتذكر تلك الطيور الجميلة المسالمة إلا أن أتقدم لها بالاعتذار الشديد لما سببناه لها نحن صبية الفحيحيل وغيرنا من الصبية من قتل وتشريد فلم نعرف قيمتها حتى افتقدنا تغريدها العذب فوق سدرنا ونخيلنا وأثلنا. الأفراح والليالي الملاح تحظى الأفراح لدى سكان الفحيحيل بكل الاهتمام ويعيرونها كل تقدير، ويهمني في هذا المجال أن أفرق بين أفراح المناسبات الدينية وأفراح الأهالي، ففي أفراح المناسبات الدينية، وخاصة عيد الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك الذي نسميه عندنا عيد اللحم، فكانت الأعياد في تلك الفترة من الزمن لها رونقها وليست كأعياد أيامنا الحاضرة هذه، لا طعم لها، فعندما يحل أحد تلك الأعياد، (عيد الفطر السعيد أو عيد الأضحى المبارك) تقام الرقصات على مختلف أنواعها كالعرضة والفرينسي والكلطة والسامري، طول أسبوع كامل وتظل بصمات تلك الأعياد واضحة براقة على طول القرية وعرضها . أما مناسبة أفراح الزواج فلا يكتفي سكان قريتي بالفرق المحلية بل يجلبون لها الفرق من خارج الفحيحيل كالفنطاس ومدينة الكويت، وخصوصا عندما يتزوج أحد أفراد العائلات الكبيرة كالدبوس والعدواني وغيرهما، ومما رسخ في ذاكرتي زواج فردين من عائلة الدبوس في ليلة واحدة، وهما سلمان عبدالله الدبوس وصقر دعيج الخليفة الدبوس. فكانت تلك الليلة ليلة (ليلاء) أقيمت فيها الأفراح حتى بزوغ الفجر، وقد ركزوا في تلك الليلة على فن السامري الجميل الذي أقامته فرقة قرية الفنطاس، وأتذكر أن هذا الفن الجميل فن السامري لا يقاومه كل من به نزول كـ (ع.و.س.و.ف.). (والنزول في اعتقادنا في ذلك الوقت أنه مس من الجان يلبس كل من يعشق ذلك الفن من السامري) وما يكاد يصل فن السامري أوجه، ويطرب الجميع حتى تهتز الأرض من تحتنا ويصرخ (س) ويضرب برجليه الأرض ففسحنا له الطريق فتقدم إلى وسط الميدان، ميدان السامري، ولما يفرغ ما برأسه وما برأس الجان الذين سكنوه في تلك الليلة من الطرب يسقط مغشيا عليه فيبرز له أحد المتخصصين بتفويق هؤلاء الجان ويدلكه بحركات تتسم بالغرابة ونسميها في ذلك «التكسير» ويطرح عليه السؤال، والسؤال عادة يوجه إلى الجان الذين سكنوا المدعو (س) فيطلب طلبا غريبا وهو أن نحضر له سطلا مملوءا بماء البحر، فأحضروا له سطلا مملوءا بماء من أحدى الآبار الموجودة بالقرب من الحفل نظرا إلى بعد البحر عنهم، وهو مشابه لماء البحر، ولكن المدعو (س) رجع لهستيريته وكاد يقتل من أحضر سطل الماء من البئر فقد اعتبره غشاشا ولم نعرف حقيقة كيف ميزه عن ماء البحر، فسارع الصبية وأحضروا له سطلا مملوءا بماء البحر ولشدة دهشتنا قام بشرب الماء كله حتى آخر قطرة من السطل (الدلو) ثم ثام وكأن شيئا لم يكن، وقد رضي الجان عنه وغادروا. ولما انقضى الفصل الأول وارتاح المغنون وشربوا القهوة عادوا يحمون الطيران استعدادا للفصل الثاني من السامري وبدأوا بأغنية سامرية جميلة مطلعها «حمام ياللي في البساتين يلعي الطرب والهم ماجود» آخذين بعين الاعتبار ذوق شيخ المستنزلين المدعو(ع) كونه يحب هذه الأغنية فما كادت تمر دقيقتان أو ثلاث دقائق على إنشادهم هذه الأغنية حتى تهدلت شفتا المدعو (ع) واحمر لونه وأسدل غترته على وجهه فتيقنا بأن الجان بدأوا بالتوافد نازلين جثته، وبعد برهة من الزمن صرخ صرخة اهتز لها البيت كله، وكان من عادته عندما يستنزل يطرد كل من عليه جنابة من الحفل ولم يغتسل منها ففر الكثيرون من وجهه قبل أن يقوم بفضحهم ولكن كيف يتعرف عليهم هذا ما لا نعرفه، فقام يرقص رقصاته الهستيرية المعتادة، وبعد الانتهاء من الفصل الثاني قام إليه المختصون بالتكسير وعملوا له اللازم فرجع معافى إلى مكانه بكل هدوء ووقار. وجاء الفصل الثالث من السامري والأنظار متجهة إلى المدعو (ف) فما كادوا يبدؤون بأغنيته المحببة وهي «يا سهيل يا الجنوبي بردك يجي نسناس قلبي يحب الطيب ولو من بعيد الناس» حتى صرخ صرخة مدوية ونزل إلى ميد السامري فقد كان متحفزا تحت وطأة إلحاح ما به من النزول وصار يترنح برقصات جميلة متناغمة مع هذه الأغنية الأشد جمالا مما شد انتباهنا وطربنا معه وعند انتهاء المغنين من أداء أغنيتهم هذه سقط (ف) مغشيا عليه كعادة كل المستنزلين، فانبرى له أحد المتخصصين وعمل له اللازم من التدليك والتكسير، وطرح عليه السؤال المعتاد ماذا يرغب أو يرغبون هؤلاء الضيوف من الجان فطلب بخورا فأحضر البخور وبخروا به كل أنحاء تلك الفرقة الكبيرة المقام في داخلها الحفل وبعد قليل فز (أي قام بقوة) ورجع إلى مكانه. فسرت إشاعة بين المحتفلين بأن الجان الذين تلبسوا المدعو (ف) من النساء وقد عشقته إحداهن، وذلك لجماله فحسده الجميع على تلك المرأة الجنية وتمنوا لو كان يمسهم شيء من هؤلاء النساء الجنيات وليس كالجان عديمي الذوق الذين لا يميزون الماء العذب من ماء البحر كالذين مسوا المدعو (س). وتستمر إقامة حفل العرس حتى اليوم الثاني وفي المساء تصف الصواني والأواني الكبيرة مملوءة بالأرز واللحم فيأكل جميع المدعوين، وعند انصرافهم يباركون للعريس وذويه وهم يرددون «منك المال ومنها العيال»، ولكن البعض منهم يغلط ويردد العكس «منها المال ومنك العيال»... وهات ياضحك. شعراء من الفحيحيل كانت قريتي تعج بالشعراء ومحبي الشعر الذين لهم صولات وجولات في عالم الشعر سواء الغزل منه أو غيره وعلى رأس هؤلاء الشعراء الشاعر خفيف الظل دعيج الخليفة الدبوس ونايف حمد الدبوس وشاعر (القلطة) صالح المصلح. ومما أتذكره قصيدة غزلية جميلة للشاعر نايف حمد الدبوس دائما كنا نرددها ومطلعها: «أمس العصر مريت أنا البرقية بظلالها وافيت أنا الغزلاني سلمت ولا ردوا سلامي ليه تقول بدوي منتا من جيراني». كما لدينا في قريتنا حفاظ للشعر نحتاجهم عند إقامة رقصات الفرينسي والحدوة، وعلى رأسهم علي الغانم الدبوس وعبدالله الغانم وراشد المياس. ألعاب الصغار في الفحيحيل ألعاب يمارسها الصغار: 1- الدرابيح: وهي عبارة عن تقوس مدور قطره يقرب 40 سم نستخلصه من قاعات أو فوهة «براميل الكاز» وندحرجه أمامنا بواسطة قضيب من الحديد. 2- الدواويم: ونشتريها من صناعها النجاجير، وهي قطعة من الخشب مدببة يبرز في آخرها مسمار قوي التثبيت يلف حول هذه الدوامة خيط ويقذف بها على الأرض فيسحب ذلك الخيط بقوة مما يجعلها تدور لمدة طويلة. ومنها نوع كبير يسمى «المقول».. ومنها نوع ثالث اسمه «البلبول»، فعند دورانه بعد رميه على الأرض بواسطة الخيط يوالي لاعبه الضرب بنفس الحبل فيستمر بالدوران محدثا صوتا جميلا كصوت البلبل. 3- الجيس: وهي لعبة تتكون أدواتها من حَلَقْ صفيح الكاز وحجارة مصفحة وتحفر حفرة ويبتعد اللاعبون عنها بمقدار خمسة أمتار ونجمع من كل لاعب ثلاث أو أربع حلقات، فالذي يقع عليه دور الابتداء باللعب يرمي تلك الحلقات في الحفرة فما وقع في الحفرة يكون من نصيبه، ولكن بعد رمي الحجر على الحلقة التي اختيرت له من قبل باقي اللاعبين، فإذا وفق ووقع قرص الحجر على ما اختير له من الحلق من دون أن يمس باقي الحلقات، عندها يكون كسب الحلاق الموجودة في الحفرة وما حولها، أما إذا أخطأ وأصاب غير ما اختير له من الحلقات أو أصاب عدة حلقات ففي هذه الحالة يكون قد خسر كل شيء. 4- عظيم ساري: عادة ما تلعب هذه اللعبة في الليالي المقمرة، وهي تتكون من فريقين، فيرمي أحد الفريقين العظم بأقوى ما يستطيع من قوة فيبحث عنه جميع أفراد الفريقين، فالذي يفوز بالعثور على العظم يصيح بأعلى صوته (سرا) وينطلق إلى نقطة الانطلاق، فإذا وفق ووصل الى هذه النقطة من دون أن يمسه أحد من أفراد الخصم يكون قد سجل نقطة لمصلحة فريقه. 5- طق ظهور: تعتبر هذه اللعبة من الألعاب الخطيرة، حيث يجتمع خلق كثير من الشباب ويختار أحدهم كرة من الصخر يلف حولها قطعة من القماش، فالذي يلتقط هذه الكرة يصوبها نحو ظهر أحد اللاعبين بشرط أن تكون الإصابة على الظهر وليس على أي مكان في الجسم فتكون الضربة موجعة ولان هذه اللعبة خطرة لا يمارسها إلا الأقوياء ومن يتمتعون بأجسام ضخمة. 6- التيل: ويسميها البعض القلل وهي لعبة معروفة لدى الجميع ومازالت تمارس حتى الآن. ومع الأسف الشديد اندثر معظم تلك الألعاب في يومنا الحالي ولم يعد أحد يتذكرها أو يعرفها.