خلافاً لبعض محاولات المسرح المدرسي، وكذلك المسرح المرتجل لمحمد النشمي، فإنه يمكن التأريخ لانطلاق حركة المسرح في الكويت، بشكلها الرسمي، ابتداءً من تأسيس الفرق الأهلية في بداية الستينيات، ولقد توافر لهذه الانطلاقة أربعة عناصر مهمة تعاونت، بشكل فاعل، في ما بينها لضمان نجاح مسيرة المسرح في بداياته الصعبة، وهذه العناصر هي: رجل فنان في موقع المسؤولية مؤمن وعاشق وداعم للمسرح هو حمد الرجيب، وأستاذ ومعلم لفن وأصول المسرح هو زكي طليمات، ومجموعة من المواهب الكويتية الشابة، المخلصة للفن، نساء ورجالاً، وأخيراً جمهور حاضر ومتعطش وواعٍ للعروض المسرحية.
إن اهتمام ودعم وتشجيع المؤسسة الرسمية المعنية، والتعامل العلمي المدروس مع الفن المسرحي، وتوافر العنصر البشري الموهوب والمتفاني في سبيل الفن، وأخيراً وجود الأرضية الشعبية الضرورية الواعية لتلقي وتشجيع الفن المسرحي، انما تمثل البيئة والمقومات الضرورية لانطلاق ونجاح أي حركة فنية، وإن غياب أي عنصر منها يشكل خللاً، يؤدي إلى اختلال يظهر واضحاً على الحركة والعروض المسرحية. وهذا ما تعيشه الحركة المسرحية في الكويت منذ ما يزيد على العقد من الزمان. سليمان البسام، في مسرحية «ريتشارد الثالث- مأساة معرّبة»، التي عرضها ضمن احتفالية مجلة العربي بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيسها، يقدم وجهاً مشرقاً ومغايراً يفضح الوضع المسرحي المتردي في الكويت، فالبسام شاب كويتي متيم بحب المسرح، ولقد جاء إلى عالم المسرح متسلحا بعلم وتواضع كبيرين، وهو يؤمن بأن المسرح معادل فني للحياة، يقدم متعة فنية راقية، بعيداً عن المباشرة والإسفاف والتهريج، مثلما يؤمن بأن الفن المسرحي قادر على تجميع البشر كل البشر، على اختلاف انتماءاتهم ومعتقداتهم وسحنهم، حول مائدة الفن الزكية، وأن العمل المسرحي الجاد: نصاً، وسينوغرافياً، وممثلاً، وتمريناً، وإخراجاً لابدَّ أن يأتي بثمر طيب. مسرحية «ريتشارد الثالث- مأساة معرّبة»، قدمت مأساة الإنسان الدكتاتور عبر العصور، فإذا كان وليام شكسبير قد قدم ريتشارد الثالث نموذجاً، فالعالم من قبل ريتشارد ومن بعده، وحتى يومنا الحالي، يعج بالنماذج الدكتاتورية، التي لا ترى إلا تحقيق غاياتها، وإنها في سبيل ذلك لتجتث الأخضر واليابس، وتجعل من لغة التعذيب والسجن والقتل والدم لغة لعالمها. لقد «كان لفرقة البسام الشرف الكبير بأن يكون عملها هو أول عمل مسرحي عربي قدم، في فبراير 2007، على خشبة الفرقة الملكية الشكسبيرية العريقة في مدينة ستراتفورد، مسقط رأس شكسبير»، وسوف يطوف حاملاً اسم الكويت عالياً في واشنطن، وبكين، وامستردام، وباريس، ودمشق. مسرحية «ريتشارد الثالث» تزهو بفريقها الفني اللافت، وعلى رأسهم المخرج سليمان البسام، والفنان القدير فايز قزق، مروراً بالفنانين: جاسم النبهان، ومناضل داود، ونقولا دانييل، وكارول عبود، وفيصل العميري، وآخرين، إضافة إلى فريق من الموسيقيين، ومصممي الأزياء، ومديري التقنيات الفنية. سليمان البسام، وجه مشرق من وجوه الحركة المسرحية المعاصرة في الكويت، يستحق من الجميع الدعم والتشجيع، وقبل هذا وذاك يستحق التقدير.
توابل - ثقافات
سليمان البسام يفضح حالة المسرح في الكويت!
29-01-2008