حول منع الشيخ القرضاوي من بريطانيا والرسوم المسيئة 1- 2
مع أني لا أتفق مع قرار منع الشيخ أو غيره من دخول بريطانيا أو غيرها إلا إذا شكل خطراً أمنياً، فإني أتصور أن أسلوب الاعتصامات والاحتجاجات والمسيرات التي صرح الدكتور النعيمي بتسييرها عقب صلاة الجمعة، ليس أسلوباً سليماً في معالجة مثل هذه القرارات.
فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي عالم جليل له كل التقدير والتكريم والتبجيل، ونحن إذ اختلفنا معه في مواقفه السياسية تجاه الغرب عامة، وأميركا خاصة، فإن هذا لا يقلل من احترامنا له والإشادة به، ولا ينقص من قدره كون بريطانيا منعت دخوله أراضيها، لأن بريطانيا منعت دخول رموز دينية عديدة في إطار سياسة جديدة اتبعتها أخيراً، ولا يعنينا في هذا المقام معرفة الأسباب التي اعتمدتها بريطانيا في قرار المنع، فكل دولة حرة في اتخاذ القرار المحقق لمصلحتها، مما يعد شأناً داخلياً خاصاً بها ولأنه سبق أن منعت كل من أميركا ودولة الإمارات دخول الشيخ إليهما، كل لأسبابه الخاصة، ولم يقلل ذلك من مكانة الشيخ في نفوس أتباعه ومريديه. ومن هذا المنطلق أتصور أن الشيخ القرضاوي لم يكن بحاجة إلى اعتصام مريديه وأنصاره أمام السفارة البريطانية في الدوحة في يوم عاصف مغبر، مرددين هتافات، وحاملين لافتات تتضمن شعارات تعبر عن التضامن مع الشيخ وتحتج على القرار البريطاني بوصفه قراراً متعسفاً من قبيل: «مستر براون: لماذا ترفضون التسامح والحوار؟» و«مستر براون: كلنا قرضاوي» و«التراجع عن القرار = تصحيح العلاقة مع العالم الإسلامي». حقيقة لا أفهم ماذا تريد هذه الشعارات المرفوعة. فأولا: قرار المنع لا علاقة له بالتسامح والحوار، إنما يتعلق بأسباب سياسية. وثانياً: لا أظن أن هؤلاء المعتصمين يقصدون بشعارهم «كلنا قرضاوي» انهم سيتضامنون مع الشيخ في مقاطعتهم لزيارة بريطانيا مستقبلاً. وثالثاً: لا يمكن اختزال علاقة بريطانيا بالعالم الإسلامي في أمر يخص شخصاً واحداً مهما علا مقامه، فالمصالح الدولية تعلو المصالح الشخصية كما أن العلاقة لم تكن على أحسن وجوهها على امتداد السنوات التي كان الشيخ يزور فيها بريطانيا ويطوف بها، إضافة، وهذا هو الاهم، لا يشرف الشيخ أن تتراجع بريطانيا تحت الضغط والاحتجاج والتهديد، إذ ليس من باب الإكرام زيارة قوم وهم له كارهون، وكان الأليق والأكرم أن يقول هؤلاء إذا كانت بريطانيا لا تريد شيخنا مرة فنحن لا نريدها عشرات المرات. وإذا كانت تمنع دخول شيخنا فنحن لن ندخلها أبداً مادام هذا موقفها. أما التوسل بوسطية الشيخ واعتداله فهذه في الأمور الاجتماعية المتعلقة بحقوق المرأة والحريات الدينية، لكنها لا تمتد إلى المواقف السياسية من الغرب وأميركا لأن الشيخ دائماً يؤكد في خطبه وأحاديثه على عداوة الآخر الغربي للإسلام والمسلمين، والسؤال المنطقي لهؤلاء الحريصين على إلغاء بريطانيا قرارها المانع: إذا كان الغرب عدواً، فلماذا الحرص على الذهاب إليهم؟! أما حجج كون منع الشيخ من دخول بريطانيا يعرقل «حوار الأديان» أو بحسب تعبير المحامي د.النعيمي «إن الشيخ شخصية عامة ومن واجبه أن يتواصل مع أبناء الجالية الإسلامية في مهماته الدعوية» فقرار المنع لا يحول دون ذلك في عصر الفضائيات وشبكة الإنترنت، إذ إن الشيخ يستطيع التواصل والحوار عبرهما لتوصيل أفكاره إلى عقر دار بريطانيا. ومع أني لا أتفق مع قرار منع الشيخ أو غيره من دخول بريطانيا أو غيرها إلا إذا شكل خطراً أمنياً فإني أتصور أن أسلوب الاعتصامات والاحتجاجات والمسيرات التي صرح الدكتور النعيمي بتسييرها عقب صلاة الجمعة ليس أسلوباً سليماً في معالجة مثل هذه القرارات، هناك أسلوب قانوني بالطعن في القرار كما أعلنه منتصر الزيات بأنه سيفعله بمناسبة قرار منعه هو الأمثل والأجدى. مثل هذه الأمور تحتاج إلى الهدوء والروية والتعامل القانوني السليم. وبهذه المناسبة أتساءل حول مدى ملاءمة الدكتور النعيمي الذي أعلن نفسه محامياً للشيخ لهذه المهمة وهو الذي كان محامياً لصدام ومدافعاً عن «القاعدة» في إحدى الفضائيات؟! على هؤلاء الذين اعتصموا واحتجوا أن يتفهموا ظروف التشدد البريطاني في منع التأشيرات المرتبطة بالوضع المتأزم هناك وأتصور أن هذه الظروف لن تستمر طويلاً وستنجلي. ويبقى أن أقول: لا يحزنك أيها الشيخ الجليل سوء هذا القرار فأنت أكبر من ذلك، وأتمنى ألّا تسمع إلى أقوال هؤلاء المريدين الذين يظنون أنهم بمواقفهم الانفعالية يرضونك، وهم إنما يرضون عواطفهم وهم لا يشعرون، وعليك بنصيحة شيخ الأزهر الذي أبدى غضبه من القرار وناشد الشيخ القرضاوي التوجه إلى العلاج في أي دولة أخرى لا ترفع العداء للإسلام، هذا أفضل من التصعيد الذي لا يستفيد منه إلا دعاة الكراهية والتطرف.* كاتب قطري