حرية تكوين الأحزاب بين الدستور والقانون 1 - 4

نشر في 15-10-2007
آخر تحديث 15-10-2007 | 00:00
 المستشار شفيق إمام الحديث عن الأحزاب السياسية في هذه الأيام، يحتاج منا إلى وقفة نضع فيها النقاط على الحروف في هذه المسألة التي شغلت اهتمام الكثيرين في الفترة الأخيرة.

والحديث عن الأحزاب السياسية في الكويت ليس جديداً، بل إنه كان محل حوار ونقاش في لجنة الدستور ثم في المجلس التأسيسي لدى مناقشة المادة (43) من الدستور التي تنص على «حرية تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية وبوسائل سلمية مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون...»، حين طرح سمو الشيخ سعد العبدالله سؤالا وجهه إلى الخبير الدستوري هو «هل معنى هذا أن الدستور يبيح الأحزاب السياسية في الكويت» فأجاب الدكتور عثمان خليل، رحمه الله، بأن هذا النص كان يستخدم في تعبيراته «حرية تكوين الهيئات والجمعيات... إلخ، وأن تعبير الهيئات كان يشمل الأحزاب السياسية صراحة، إلا أن لجنة الدستور، رأت حذف كلمة «الهيئات» لترك الأمر للمشرع الذي له أن يمنع قيام الأحزاب إطلاقاً أو إلى حين.

وعقب ذلك وجه شيخ البرلمانيين الدكتور أحمد الخطيب سؤالا إلى الخبير الدستوري، عما إذا كان القانون يسمح للمواطنين بالتعبير عن رأيهم في مسألة سياسية، أم انه ليس لهم هذه الحرية السياسية، فأجابه الخبير بأن هذا الأمر تتيحه المادة (44) من الدستور، التي نصت على حق الأفراد في الاجتماع، أما ان يتحول ذلك إلى نشاط سياسي أو هيئة سياسية في صورة حزب فقد رأت لجنة الدستور أن الدولة ليست بحاجة الآن إلى تكوين أحزاب أو هيئات سياسية من هذا القبيل، وأن النص الدستوري يترك تكوين الاحزاب لمجلس الأمة من دون إلزام أو حظر، ليقرره بطريق التشريع العادي وحسب مصلحة البلد.

وعاد الدكتور أحمد الخطيب ليعيد صياغة سؤاله قائلاً «أرجو شطب كلمة أحزاب من الحديث، لأني لا أتحدث عن الأحزاب، فنحن نقصد التجمعات السياسية، فهل هذه المادة تنص عليها؟

فعقب رئيس المجلس عبداللطيف محمد الثنيان الغانم على ذلك بقوله

«الكويت لو فتحت الباب للأحزاب فمعناه أنها ستظل تسير إلى الوراء».

كما عقّب الدكتور أحمد الخطيب بقوله «أنا لا أريد أن أتكلم عن الأحزاب السياسية أنا أتكلم عن الحرية السياسية التي نصت عليها ديباجة الدستور... فأين هي؟».

فأجاب الدكتور عثمان خليل بأن الدستور نص على حق المواطن في الانتخابات والترشيح والتعبير عن رأيه بحرية في المواد 44,37,36 كل هذه حقوق سياسية يتمتع بها المواطن، وهناك صورة أخرى لممارسة الحق السياسي وهي طريق الأحزاب، وانتفاء هذا الطريق ليس معناه انتفاء ممارسة المواطن لجميع الحقوق السياسية.

وعاد الدكتور أحمد الخطيب ليعيد صياغة سؤاله من جديد قائلا: هناك حريات عديدة في الدستور، مثلا أن أكتب ما أشاء وأقول ما أشاء، فهل الدستور يمنع تدخل الحكومة في الاجتماعات والمواكب السياسية؟ وهل يستطيع المواطن الكويتي أن يتمتع بحرية الرأي السياسي وحرية الصحافة والنشر وما إليها؟

فأجاب الدكتور الخبير: نعم كل هذه الحريات السياسية مقررة في الدستور وفقاً للقانون.

ووافق المجلس التأسيسي بالاجماع على هذا التفسير (المضبطة التاسعة عشرة لاجتماع المجلس المعقود بتاريخ 11/9/1962-ص29-35.

أي انه كان هناك إجماع في المجلس التأسيسي الذي أقر الدستور على أمرين: أولهما، إقرار جميع الحريات السياسية للمواطنين، ثانيهما، أن المرحلة التي أقر فيها الدستور، لم تكن تسمح بقيام الأحزاب.

وقد كفل الدستور هذه الحريات السياسية، باختياره النظام الديموقراطي للحكم في المادة 6 التي جعلت السيادة فيه للأمة مصدر السلطات، ليحكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه، من خلال حقه في اختيار ممثليه في المجالس النيابية عبر انتخابات حرة نزيهة يتساوى فيها المواطنون في حق الترشيح وحق الانتخاب، وأن تكون لهذه المجالس الصلاحية الكاملة في إقرار القوانين، في ظل مبدأ سيادة القانون الذي تقوم على أساسه الدولة القانونية، وفي نظام دستوري يقوم على أساس مبدأ الفصل بين السلطات الذي يراقب من خلاله مجلس الأمة السلطة التنفيذية، بوسائل الرقابة البرلمانية كلها من أسئلة برلمانية، واستجوابات، وطرح الثقة، وتحقيقات برلمانية، وطلب مناقشة الحكومة لاستيضاح سياسة الحكومة في أي موضوع عام وتبادل الرأي بصدده، كما تخضع السلطة التشريعية لرقابة قضائية تتمثل في الرقابة على دستورية القوانين، وتخضع السلطة التنفيذية للرقابة القضائية كذلك من خلال حق المحاكم في إلغاء القرارات الإدارية المخالفة للقانون والتعويض عنها، في ظل نظام دستوري وقانوني يصون استقلال القضاء ويكفل للأفراد حق التقاضي وحرية العقيدة وحرية الفكر وحرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة والطباعة والنشر.

وهي تجربة فريدة من نوعها بالمقارنة بالتجارب الديموقراطية المماثلة لما حققته من نجاح بالمقارنة بالديموقراطيات المماثلة التي تقوم كذلك على أساس من توفير الحريات السياسية للمواطنين في غياب الأحزاب أو التعددية السياسية التي تسمح بتداول السلطة، وهي تجارب لم تحقق النجاح الذي حققته تجربة الكويت.

وهو ما يطرح سؤالاً مهماً هو:

لماذا نجحت في الكويت الديموقراطية القائمة على الحريات السياسية من دون أحزاب، ولم تنجح في دول أخرى، في غياب الأحزاب أو التعددية السياسية أو مع وجود أحزاب هشة؟

وهو سؤال نرجو أن تكون إجابتنا عنه واضحة في مقال الاثنين المقبل.

back to top