Ad

كان على الكويتيين أن يتلمسوا رؤوسهم وأن يضعوا أيديهم على قلوبهم لو أن «الحلَّ» جاء أبدّياً وبلا نهاية، ولو أن الانتخابات عندهم هي مجرد تظاهرة تسيّرها الأجهزة وتحركها الأيدي الخفية، أما أن الإجراء جاء دستورياً من الألف إلى الياء، وأن انتخابات جديدة ستجدد حتماً الحياة الديموقراطية وتعززها خلال أسابيع قليلة فإن هذا فخر للكويت وأهلها وقيادتها.

ما كان يجب أن ينـزعج الكويتيون مما حصل بالنسبة لحل برلمانهم بل المفترض أنهم اعتبروا أن هذا مبعث فخرٍ لهم لأنه جاء كشهادة حية على أن ديموقراطيتهم حقيقية، ولأنه أمر طبيعي وعادي أن تكون هناك تعارضات، بل مشاحنات بين الكتل البرلمانية، وأن يكون هناك تربُّصٌ دائم بالحكومة، وأي حكومة... وإلاَّ لكانت حالهم كحال دول «المجالس الشعبية» المنتخبة من المهد إلى اللحد، التي لا وظيفة لها ولا دور إلاَّ التسبيح لمن بيده الحل والربط.

إنه أمرٌ طبيعي مادام أن الدستور الكويتي ينصُّ على أن يكون أحد الحلول المطروحة هو حلَّ البرلمان عندما تتلاشى هوامش التفاهم والانسجام والتناغم بين الحكومة وهذا البرلمان، وإنه طبيعي، وهو مبعث فخر واعتزاز أن تُعاد الأمور في مثل هذه الحالة إلى الشعب الذي هو صاحب الولاية النهائية، والذي عليه أن يتخذ قراره وينتخب الذين يرى أنهم الأحق بتمثيله في انتخابات حرة وديموقراطية، وخلال فترة دستورية محددة.

كان يجب أن يغضب الشعب الكويتي، الذي سبق الكثير من أشقائه العرب في التجربة الديموقراطية وفي الحريات العامة، لو أن حلَّ البرلمان جاء كإلغاءٍ له أو تغييبه حتى إشعار آخر أو هدم لجدار المسار الديموقراطي، أما أن خطوة الحل جاءت كاستحقاق دستوري وجاءت من قبيل الاحتكام إلى أصوات الناخبين وقناعاتهم من خلال انتخابات جديدة في المهلة الدستورية المنصوص عليها، فإن هذه شهادة على أن هذا الوطن الصغير بحجمه الجغرافي الكبير بقيمه وإنجازاته وعطاءاته وتقدمه يشكل «هايد بارك» ليس منطقة الخليج وحدها إنما المنطقة العربية كلها.

لو أن حلَّ البرلمانات، عندما تنعدم لغة التخاطب بينها وبين الحكومات، يشكل عيباً ويعني تعديّاً على القيم الديموقراطية لكانت إيطاليا الآن أكبر رمزٍ للقمع وغياب الحريات العامة في العالم، إذْ إنها منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن غيرت ثوبها الديموقراطي المتمثل في التغييرات والتعديلات الحكومية المتلاحقة، والمتمثل أيضاً في الاحتكام لصناديق الاقتراع لاختيار ممثلي الشعب الإيطالي ربما ألف مرة.

حتى في بريطانيا فإن من حق الملكة أن تحل البرلمان في حالات تحددها الأعراف المتبعة لكن هذا لم يحصل ولو مرة واحدة في التاريخ القريب لأن الديموقراطية هناك غدت راسخة وثابتة، ولأن بريطانيا لا تواجه تحديات إقليمية لها انعكاسات وتأثيرات داخلية كما هي الحال بالنسبة للكويت التي تنام بين الألغام والمزنرة في أكثر من أزمة متفجرة وأكثر من أزمة نائمة.

في «مايو» المقبل سيتوجه الكويتيون إلى صناديق الاقتراع وسيختارون برلماناً بديلاً للبرلمان «الراحل» الذي تقلصت هوامش الانسجام والتفاهم بينه وبين الحكومة التي يرأسها الشيخ ناصر (أبو صباح) الذي يعتبر، بشهادة كويتيين كُثر ومن مختلف المشارب والتوجهات، مثالاً للطيبة والكفاءة والأخلاق والسماحة وسعة الصدر والأفق والمؤكد أن صناديق الاقتراع وبعد هذه التجربة ستكون أكثر دقة في اختيار مَنْ سترسلهم ليبقوا أربع سنوات تحت القبة البرلمانية.

كان على الكويتيين أن يتلمسوا رؤوسهم وأن يضعوا أيديهم على قلوبهم لو أن «الحلَّ» جاء أبدّياً وبلا نهاية، ولو أن الانتخابات عندهم هي مجرد تظاهرة تسيرها الأجهزة وتحركها الأيدي الخفية، كما في دول «المجالس الشعبية» العربية الشقيقة، أما أن الإجراء جاء دستورياً من الألف إلى الياء وأن انتخابات جديدة ستجدد حتماً الحياة الديموقراطية وتعززها خلال أسابيع قليلة فإن هذا فخر للكويت وأهلها وقيادتها.

* كاتب وسياسي أردني