يشهد تسلسل أحداث وتطورات قضية الناقلات على مدى أكثر من عشرين سنة، بأنه متى ما برزت على السطح، فإنها تجُبّ ما عداها من قضايا الشأن العام وتتحول إلى قضية الكويت الأولى وبذات الحماس والتعاطي الذي كانت عليه في يومها الأول.
أسدل استجواب وزير النفط الشيخ علي الجراح الستار على فصل آخر من فصول قضية الناقلات وبنهاية دراماتيكية، وإن كانت متوقعة، إلا أنها كانت شديدة الوقع على مستقبل الوزير سياسياً، ووجهت في الوقت نفسه رسالة واضحة جداً إلى الحكومة مفادها أن الإصرار على الخطأ والمكابرة في تجاهل قراءة الخريطة السياسية مآلهما الفشل والوقوع في الحرج الشديد. وقد ذكرت في مقال سابق قبل أسبوعين أن مشكلة الحكومة في هذا الاستجواب تكمن في الانصياع لرأي واستشارة قلة من أصحاب المصالح والنفوذ ممن يمارسون تضليلها من جهة، وتحريضها على الإدارة الشعبية العارمة من جهة أخرى، ويدفعونها بالتالي إلى جبهة خاسرة بكل المقاييس، وها هي الحكومة تقع فريسة هذه الخديعة السياسية من جديد.
فقضية الناقلات تحولت إلى شعار وطني ونموذج للجريمة المنظمة التي جمعت خيوط التآمر السياسي والسرقة المالية والغدر والخيانة الأخلاقية في أحلك الظروف التي عصفت بالكويت وأهلها، ومهما حاول البعض خلط الأوراق من خلال اختلاق قصص جديدة للتجاوز على المال العام، إلا أن الغضب الشعبي المبني على القناعة الكاملة بجريمة الناقلات يمثل خطاً أحمر يجرف كل من يحاول أن يقف في طريق كشف بقية فصولها والوصول إلى نهايتها الفاصلة.
ويشهد تسلسل أحداث وتطورات قضية الناقلات على مدى أكثر من عشرين سنة بأنه متى ما برزت على السطح، فإنها تجُبّ ما عداها من قضايا الشأن العام وتتحول إلى قضية الكويت الأولى وبذات الحماس والتعاطي الذي كانت عليه في يومها الأول. وبعكس المنطق نجد أنه كلما تجدد موضوع الناقلات تتحول الحكومة برمتها إلى خصم للشعب الكويتي وتدفع بسبب مواقفها ثمناً باهظاً ليس على المستوى السياسي فحسب، بل والأخلاقي أيضا، حيث إنها تضرب بمصداقيتها أمام الرأي العام عرض الجدار.
وفي الاستجواب الأخير برهنت الحكومة على هذا الفشل في التعاطي مع الحدث واختيارها، بنفسها، طريق المواجهة والدخول إلى معركة الاستجواب بشعار «كسر العظم» في إشارة صريحة إلى الاستهانة بنبض الشارع من خلال الإعلان عن ثقتها الكاملة بوزيرها المستجوب، وقدرته على دحض محاور المساءلة، وتأكيدها على سلامة موقفه الذي شابه منذ البداية التردد والتوتر والاعتراف بالخطأ والتراجع تلو التراجع حتى على منصة الاستجواب، وكان لها ما اختارت من هزيمة سياسية من العيار الثقيل.
وإذا كانت ثمة عبرة من جلسة الاستجواب والأحداث التي سبقت ذلك فإنها تتمثل في حتمية قيام الحكومة نفسها بالاستنفار الكامل من خلال أجهزتها القانونية والفنية وتقديم كل ما شأنه من المستندات والمتابعات واستكمال الإجراءات الكفيلة بإنهاء هذا الملف وصدور الأحكام النهائية بشأنه، فاستمرار هذا الموضوع يمثل علة جاثمة على صدر الحكومة ويضع شارة النصر بيد من يحمل لواءه.