لا أتصور أن أجهزة الأمن تتوقع من المواطن العادي أن يكون طرفاً في متابعة ورصد أجهزة استخبارات وعملاء الدول الأجنبية! أقصى ما يتوقع من المواطن الصالح في كل بلد هو أن يبلغ أجهزة الأمن عن كل ما يريبه.تناولت الصحافة خلال الأسابيع الماضية مسألة وجود نشاطات استخبارية معادية في الكويت، ونسب الأمر إلى تصريحات لمسؤولين في وزارة الداخلية، واستخدمت بعض الصحف مانشيتات عريضة على صدر صفحاتها مما أعطى للموضوع زخماً ووقعاً كبيرين لدى القراء، وكأن أجهزة الأمن تعيش في مطاردات حامية ومستمرة مع هذه العصابات التي تملأ البلد وتهدد أمنها واستقرارها!
ومنذ أيام كان لقاء لوزير الداخلية الشيخ جابر الخالد مع رؤساء التحرير وإذا به يبين أن كل القصة وما فيها هو أن «الكويت كغيرها من البلدان لا تخلو من وجود عملاء لأجهزة استخبارية أجنبية»، لا أكثر ولا أقل، وإذا بنا نكتشف أن ما تناقلته بعض الصحف بحماس شديد، وبمانشيتات عريضة، وباستخدام أسلوب الربط بإيران، ما هو إلا خيالات واجتهادات ليس لها من الحقيقة نصيب!
مع بداية ظهور هذا الموضوع بهذه الفرقعات المدوية، وقيام هذه الصحف بنسبته إلى مسؤولين «مجهولين» في الداخلية «كالعادة»، استغربت كثيراً ولم أصدق لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوم جهاز أمن محترف بتسريب مثل هذه الأخبار للصحف، أولا: لحساسيتها الأمنية داخلياً وخارجياً، وثانياً: لتأثيراتها السياسية على علاقة الكويت بجيرانها، وثالثاً: لأن المواطن العادي ليس معنياً بمعرفة مثل هذه المعلومات، حتى وإن صحت، لأنه ليس طرفاً في المعادلة على الإطلاق. ولا أتصور أن أجهزة الأمن تتوقع من المواطن العادي أن يكون طرفاً في متابعة ورصد أجهزة استخبارات وعملاء الدول الأجنبية! أقصى ما يتوقع من المواطن الصالح في كل بلد هو أن يبلغ أجهزة الأمن عن كل ما يريبه، لكن أن يتم إعلامه وبطريقة المانشيتات الصحفية والفرقعة الإعلامية بأن البلد تعج بالعملاء والاستخبارات المعادية، فهذه لو صحت، تصنف في خانة الغباء والبلادة التي ما بعدها لا غباء ولا بلادة!!
لذلك كانت سعادتي كبيرة حين جاء وزير الداخلية ليضع النقاط على الحروف في لقائه مع رؤساء التحرير، ويقول إن الأمر لا يعدو الحقيقة المعروفة من ان كل بلد فيها نشاطات لأجهزة استخبارات أجنبية، وليس أن الكويت تتعرض لهجمة استخبارية استثنائية من طرف ما!
لذلك والحالة هذه، فكم أتمنى اليوم لو أن وزارة الداخلية، وكل أجهزة الدولة الحساسة الأخرى، منعت وسائل الإعلام من نشر التصريحات والأخبار الرسمية ما لم تكن منسوبة إلى أسماء مخولة تابعة لها، وحاسبتها في حال الإخلال بذلك، فمن نافل القول ان أذكِّر بأن بلادنا تمر بظروف إقليمية مضطربة وصعبة على الصعيدين السياسي والأمني، ومن الخطأ الكبير ترك مثل هذه المسألة الحساسة للاجتهادات الشخصية، أو لعبث العابثين، أو تركها عرضة للشطحات الإعلامية التي لن ندري ما الدوافع التي تكمن وراءها!