أثبت الموقف الليبرالي أنه هو الموقف الصحيح والسليم منذ البداية، والدليل على ذلك أن مجموعة من السياسيين المحسوبين على التيار الديني ومجموعة من الدعاة الدينيين والمفتين أصبحوا إلى جانب الدعوة ضد الإرهاب وسفك الدماء العشوائي.- 1 -
كانت كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 وكذلك الحالة الأفغانية بعد زوال حكم طالبان المتخلف، وبعدها الحالة العراقية، امتحاناً عسيراً وكبيراً للتيارين الديني والليبرالي في العالم العربي على السواء. وأفرزت هذه الأحداث منابر وتجمعات ومواقع، لم تكن موجودة قبل هذه الأحداث، ومنها ما أطلق عليهم الليبراليون الجدد، مقابل مجاميع كبيرة من المتشددين الدينيين الذين اختلفوا في مواقفهم السياسية والفكرية اختلافاً كبيراً مع الليبراليين الجدد. وقد شهدنا طوال الخمس سنوات الماضية، وخصوصا بعد الإطاحة بحكم حزب البعث في العراق، ووجود قوات التحالف في العراق، سيلاً من المواقف والنداءات والفتاوى الدينية التي تدعو ليس إلى قتال المحتلين من الجنود، ولكن إلى قتال كل من ليس بمسلم، من نساء وأطفال وعمال وموظفين... إلخ. كذلك فقد سادت العالم العربي موجة من الدعوة إلى الجهاد ضد الأنظمة العربية وضد الحضارة الغربية ومظاهرها، واستبدال القيم الغربية السائدة الآن في الغرب بقيم إسلامية، وضرورة إعلان الغرب إسلامه كما جاء في الشريط الأخير الذي أذاعه أسامة بن لادن أخيراً. وقد ظل الكتاب والمثقفون الليبراليون طوال الفترة السابقة التي ارتفع فيها منسوب الفتاوى الدينية المُحرضة على القتل والتدمير العشوائي، يهاجمون أولئك الذين يصدرون مثل تلك الفتاوى الدينية الخطيرة، ويقفون إلى جانب رجال الدين العقلاء والواعين الذين يرفضون مثل هذه الفتاوى، ويحثون الشباب العربي على عدم الانخراط في الجماعات الإرهابية المشبوهة، صيانة لأنفسهم وصيانة لوطنهم وصيانة لدينهم. وقد أثبت الموقف الليبرالي أنه هو الموقف الصحيح والسليم منذ البداية، والدليل على ذلك أن مجموعة من السياسيين المحسوبين على التيار الديني ومجموعة من الدعاة الدينيين والمفتين أصبحوا إلى جانب الدعوة ضد الإرهاب وسفك الدماء العشوائي. وكان ذلك بمنزلة عودة الوعي الديني السليم إلى هؤلاء، وانتصاراً للدعوة الليبرالية وموقفها الواضح منذ اللحظة الأولى للمجازر الدموية التي أقيمت في طول العالم العربي وعرضه وخصوصا في العراق ولبنان والمغرب العربي.
- 2 -
ففي السعودية حذر المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ (جريدة الوطن السعودية 2/10/2007)، الشباب من الذهاب إلى الخارج بحجة قصد الجهاد في سبيل الله لأن الأوضاع مضطربة، والأحوال ملتبسة، والرايات غير واضحة. مشيراً إلى أنه ترتب على ذلك العديد من المفاسد العظيمة. وبيّن آل الشيخ أن هؤلاء الشباب لم يبلغوا في العلم مبلغاً يميزون به بين الحق والباطل، فكان هذا سبباً لاستدراجهم والإيقاع بهم. وعدد آل الشيخ المفاسد العظيمة لما يُسمى بالجهاد في الخارج ومنها:
1 - عصيان ولي الأمر وهذا كبيرة من كبائر الذنوب يقول النبي صلى الله عليه وسلم «من أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني»، ويقول «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره».
2 - وقوعهم فريسة سهلة لكل من أراد الإفساد في الأرض، واستغلال حماستهم حتى جعلوهم أفخاخاً متحركة يقتلون أنفسهم، لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية لجهات مشبوهة.
3 - استغلالهم من قبل أطراف خارجية، لإحراج هذه البلاد، وإلحاق الضرر والعنت بها، وتسليط الأعداء عليها، وتبرير مطامعهم فيها.
- 3 -
ومن المعروف أن الداعية السعودي الأصولي المتشدد سلمان العودة، كان من داعمي «الجهاد» المعاصر سراً وجهراً، ولكنه تبيّن بعد ست سنوات الخطأ من الصواب والحق من الباطل، فأطلق قبل فترة قصيرة نداءه القائل وهو رسالة مختصرة إلى أسامة بن لادن يقول فيها «اللهم إننا نبرأ إليك مما يصنع أسامة، وممن يتسمّى باسمه، أو يعمل تحت لوائه». وشرح الشيخ العودة معنى هذه الرسالة بقوله:
ومن المعروف أن الداعية السعودي الأصولي المتشدد سلمان العودة، كان من داعمي «الجهاد» المعاصر سراً وجهراً، ولكنه تبيّن بعد ست سنوات الخطأ من الصواب والحق من الباطل، فأطلق قبل فترة قصيرة نداءه القائل وهو رسالة مختصرة إلى أسامة بن لادن يقول فيها «اللهم إننا نبرأ إليك مما يصنع أسامة، وممن يتسمّى باسمه، أو يعمل تحت لوائه». وشرح الشيخ العودة معنى هذه الرسالة بقوله:
«حسبي أني أرضيت ربي فيما قلت مما أدين به، وأرضيت بعد ذلك ضميري وإحساسي. أصدقك القول اني كلما قدمتُ شيئاً كهذا أصبح وقع الآلام أقل حينما أقرأها، وأشاهد بعض أعمال العنف». (جريدة الشرق الأوسط 19/9/2007).
ولكن منتقدي الداعية العودة من الليبراليين، قالوا له على لسان رئيس تحرير «الشرق الأوسط» طارق الحميد:
«بعد ست سنوات من أحداث 11 سبتمبر الدامية، وقرابة أربعة أعوام على أعمال الإرهاب في السعودية والعالم العربي والإسلامي، ومطاردة الإرهاب في ما لا يقل عن مئة وتسعين دولة حول العالم، وثلاث سنوات على سقوط نظام صدام حسين في العراق، خرج الشيخ العودة في برنامجه التلفزيوني على قناة «إم.بي.سي» يبرأ إلى الله من أسامة بن لادن زعيم تنظيم «القاعدة» وأفعاله، بعد أن بات زعيم التنظيم الإرهابي شخصاً لا بواكي له. إن براءة الشيخ العودة من أسامة بن لادن جاءت في وقت لا يدفع فيه المتبرئ من زعيم «القاعدة» ثمناً ولا يخسر شيئاً، كمن يخرج اليوم مندداً بنظام صدام حسين البعثي، خصوصاً أنه بعد ما كشف تنظيم «القاعدة» الإرهابي عن وجهه القبيح، صبيحة يوم الحادي عشر من سبتمبر. لقد دفع كل من تصدى لأسامة بن لادن ومريديه ثمناً باهظاً. يومها كُفِّرت حكومات، واتهمت بالعمّالة، وسُمي رجال الدين الذين تصدوا وأدانوا بن لادن وفكره وأفعاله بكل جراءة بشيوخ السلطة، وتم التطاول عليهم بشكل لافت ومثير. كما كُفِّر المفكرون، والكتاب، والصحافيون، وشكك في صحفهم، وحُرِّض ودُعي عليهم من على بعض منابر المساجد، واستبيحوا في مواقع التطرف ومعاقل الكراهية على الإنترنت».
- 4 -
وكان الداعية الديني السياسي الثالث الذي عاد إليه الوعي الديني السليم هو النائب الكويتي وليد الطبطبائي الذي وجّه رسالة إلى بن لادن في 27/9/2007 في جريدة الوطن الكويتية، أعلن فيها تجريمه لابن لادن، وقال له فيها تعليقاً على خطاب ابن لادن الأخير الذي دعا فيه الشعب الأميركي إلى الإسلام:
وكان الداعية الديني السياسي الثالث الذي عاد إليه الوعي الديني السليم هو النائب الكويتي وليد الطبطبائي الذي وجّه رسالة إلى بن لادن في 27/9/2007 في جريدة الوطن الكويتية، أعلن فيها تجريمه لابن لادن، وقال له فيها تعليقاً على خطاب ابن لادن الأخير الذي دعا فيه الشعب الأميركي إلى الإسلام:
«ياشيخ أسامة كيف يصلح أن تدعو الشعب الأميركي إلى الإسلام وأنت تعترف بجرأة كبيرة بأنك وراء قتل الآلاف منهم في أحداث 11 سبتمبر 2001، ألا تعتقد ويعتقد كل عاقل بأن هذا تنفير لهم عن الإسلام؟ ثم يا شيخ أسامة ألا تعتقد ويعتقد العقلاء أن ما فعله ما يُسمّى بتنظيم «القاعدة» في بلاد الرافدين من خلط الجهاد ضد الاحتلال بعمليات الخطف والذبح والتفجير في الأماكن العامة واستهداف دور العبادة والمدنيين من الشيعة والسنة على السواء قد أدى إلى تشويه صورة الجهاد والمقاومة في العراق. إن الخط الذي تسيرون عليه أضرَّ بالعمل الإسلامي والدعوة الإسلامية في شتى أنحاء العالم».
- 5 -
ورغم أن بعض الكتاب والمفكرين الليبراليين كالمفكر الكويتي أحمد البغدادي لم يقتنعوا بهذه المواقف وسخروا منها، وقالوا لمن عاد لهم الوعي الديني «صح النوم» (جريدة السياسية 4/10/2007)، ورغم أن هذه العودة للوعي الديني جاءت متأخرة على طريقة عودة الوعي بحقيقة الناصرية لتوفيق الحكيم بعد رحيل
ورغم أن بعض الكتاب والمفكرين الليبراليين كالمفكر الكويتي أحمد البغدادي لم يقتنعوا بهذه المواقف وسخروا منها، وقالوا لمن عاد لهم الوعي الديني «صح النوم» (جريدة السياسية 4/10/2007)، ورغم أن هذه العودة للوعي الديني جاءت متأخرة على طريقة عودة الوعي بحقيقة الناصرية لتوفيق الحكيم بعد رحيل
عبدالناصر، فإن لعودة الوعي الديني هذا جوانب إيجابية كثيرة أهمها؛ عودة الوعي الديني أيضاً إلى الشباب المُغرر بهم في العراق وأفغانستان ولبنان وغيرها، وهو ما يشير إلى انخفاض عدد العمليات الإرهابية وعدد ضحاياها في العراق، كما أعلن قبل أيام، وبدء عودة الأمن والهدوء للعراق خاصة.
* كاتب أردني