بضدها تتمايز الأشياء!

نشر في 26-06-2007
آخر تحديث 26-06-2007 | 00:00
 د. ساجد العبدلي

يعلم المتابعون لما يكتب في المدونات ومواقع الحوار أن الحرية هناك لاسقف لها، وأنه لا توجد في كثير منها خطوط حمراء ولا خضراء ولا من أي لون آخر، وأن فرسان هذه المواقع، الذين هم غالبا من الشباب والشابات، ما عادوا يتورعون عن الكتابة في أي موضوع وعن تناول أي شخصية عامة بالنقد، بل بالتهشيم!

لا أظن أن أحدا ًيختلف معي بأن كل منحنيات الكويت التنموية في نزول، بل ربما حتى الإخوة المتفائلون إلى اللحظة الأخيرة، لا يملكون مع تفاؤلهم إلا الاعتراف بأن أوضاعنا السياسية مقلوبة رأسا على عقب، والاقتصادية ليست في المسار الصحيح، والأمنية مضطربة، وحركتنا الثقافية والفنية تباطأت عجلتها حتى توقفت أو كادت، والتعليم والصحة والبنى التحتية من كهرباء وماء وبريد وطرق ليست في أحسن حالاتها!

لكن وفي خضم هذا الوضع الرمادي الذي لا تبدو له إشراقة، أجد منحنى واحدا، وربما وحيدا، رافعا رأسه يغرد خارج السرب ويتجه إلى الأعلى، هذا المنحنى هو منحنى الحريات الصحفية!

ندرك في قرارة أنفسنا، وعلى الرغم من تفاخرنا القديم والدائم بحريتنا الصحفية الفريدة في الكويت، أن هذه الحرية لم تكن بتلك الصورة البراقة التي كنا نصوّرها للآخرين، وأنها كانت محاطة بالكثير من الخطوط الحمراء، لكننا اليوم صرنا نلمس أن هذه الخطوط التي كانت تضيق الخناق على الصحافة آخذة في الاتساع، وأن سقف الحرية ارتفع إلى حد كبير خلال الفترة الماضية غير الطويلة.

من الطبيعي أن ظهور الصحف الجديدة قد ساهم في هذا التطور الإيجابي، وذلك لأن المنافسة التي نشأت بطبيعة الحال بينها وبين الصحف القديمة، تناولت من ضمن ما تناولته من جوانب فنية ومهنية، بل ربما قبلها جميعا، حجم مساحات الحرية، لكنني مع ذلك لا أتصور أن السبب الرئيس في هذا الارتفاع الواضح في سقوف الحريات هو هذا، إنما في اعتقادي هو ما سأسميه ثورة المدونات ومواقع الحوار على الإنترنت.

يعلم المتابعون لما يكتب في المدونات ومواقع الحوار أن الحرية هناك لاسقف لها، وأنه لا توجد في كثير منها خطوط حمراء ولا خضراء ولا من أي لون آخر، وأن فرسان هذه المواقع، الذين هم غالبا من الشباب والشابات الذين أظهروا براعة وتمكناً مبهرين من القلم ومن القدرة على التعبير عن أفكارهم، ما عادوا يتورّعون عن الكتابة في أي موضوع وعن تناول أي شخصية عامة بالنقد، بل بالتهشيم!

هذا الزخم اللامنتهي من الحرية والانعتاق من القيود، الذي اجتذب إليه الكثير من القادرين على الكتابة والكثير الكثير من القراء من جميع الشرائح الفكرية والأعمار، خصوصا بعدما صار لبعض هذه المدونات والمواقع جماهيرية ونجومية لامعة، أجبر الصحف التقليدية، بعدما أدركت أنها على محك حقيقي، على أن تتحرر بدورها من كثير من القيود الصحفية، التي كان معظمها وهمياً مختلقاً من بعض هذه الصحف على نفسها رغبة منها في الابتعاد عن التصادمات مع السلطة أو النافذين... أو الفاسدين!

اليوم أدركت الصحف أنه إما الحرية والشفافية والصراحة والتميز، وإما التحول إلى مفارش للطاولات وسفرات للأكل، لكن حتما لكل قاعدة شواذ، لذلك ستبقى هناك من صحفنا من هي قابعة في الدرك الأسفل، بعيداً عن نطاق الإحساس بهذه الثورة الصحفية، وبالتالي خارج دائرة التأثير الحقيقي، لكن أليست هذه هي الدنيا... بضدها تتمايز الأشياء؟!

back to top