سر تشدد كوشنير!!
لماذا... ما إن اعتلى ساركوزي رئاسة فرنسا حتى انحاز انحيازاً مستغرباً إلى أميركا، وأخذ يزايد حتى على المواقف الأميركية إن إزاء إيران، وإن إزاء سورية والأزمة اللبنانية المستفحلة؟! وهنا تكمن الإجابة في سر العلاقات الفرنسية–الألمانية على مر التاريخ التي مرت بآونة صراع وتنافس مديدة تخللتها فترات تعاون لم تخل من المنافسة المكتومة أيضا.
هناك استغراب للمواقف المتشددة التي بدأت فرنسا تتخذها ضد إيران ووصلت إلى حد أن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير قد دعا الغرب، في تصريحات سابقة له، إلى الاستعداد لاحتمال مواجهة عسكرية مع طهران، وأن الرئيس نيكولاي ساركوزي كان في خطابه الأخير من فوق منصة الأمم المتحدة أشد قسوة على «دولة الملالي» من جورج بوش نفسه وأكثر حماساً لعقوبات قاسية ضد الجمهورية الإسلامية من كل الذين يطالبون بمثل هذه العقوبات. والمعروف أن فرنسا في عهد الرئيس السابق جاك شيراك، الطويل، كانت تحرص على النأي بنفسها عن السياسات الأميركية «الخشنة» في الشرق الأوسط، وعندما استضافت الإمام الخميني في نهايات سبعينيات القرن الماضي، بعد هجرة متنقلة استمرت أكثر من ستة عشر عاماً أخذته إلى تركيا والى العراق ثم إلى الكويت، كانت تخطط لوراثة الولايات المتحدة في دولة استراتيجية الموقع ومنتجة للنفط وتعتبر سوقاً مثاليا للبضائع الفرنسية هي إيران. لقد بقيت فرنسا، التي وقفت إلى جانب العراق في حرب الثمانية أعوام مثلها مثل دول الغرب كلها، تحرص على ألاَّ تقطع «شعرة معاوية» مع إيران وبقيت دائماً تحرص كل الحرص على النأي بنفسها عن أميركا كي لا يجري تحميلها ولو جزءاً من الأوزار الأميركية... والحقيقة أن باريس قد نجحت في هذه اللعبة الذكية ولذلك فإن التعامل معها، سواء من قبل الإيرانيين او من غيرهم... اختلف كثيراً عن التعامل مع بريطانيا التي اتبعت، على هذا الصعيد، طريقاً آخر غير الطريق الفرنسي. إذاً، مادام أن الوضع هو هذا الوضع... فلماذا ما إن اعتلى ساركوزي، المجريُّ الأصل، حصان نابليون بونابرت، الإيطاليُّ الأصل، وأصبح رئيساً لدولة ما كان والده يحلم بأكثر من الحصول على إقامة دائمة فيها، حتى انحاز انحيازاً مستغرباً لأميركا وأخذ يزايد حتى على المواقف الأميركية سواء تجاه إيران، او إزاء سورية والأزمة اللبنانية المستفحلة؟! إن الجواب عن هذا السؤال، الذي لا جواب غيره، يكمن في سر العلاقات الفرنسية–الألمانية، فالمعروف أن علاقات هاتين الدولتين كانت تتسم بالتنافس الشديد، وقد استمر هذا التنافس حتى في السنوات الأخيرة، التي مقارنة بتاريخ طويل من الحروب والصراعات، تعتبر سنوات تقارب وصداقة، فألمانيا كانت دائماً وأبداً ولاتزال تعتبر نفسها الرقم الأساسي في المعادلة الأوروبية، وفرنسا كانت تعتبر نفسها الأحق بقيادة أوروبا مادام أن برلين أصبحت منذ الحرب العالمية الثانية مجرد عربة صغيرة في نهاية القاطرة الأميركية. لقد بقي هذا التنافس على أشده في عهد الجنرال شارل ديغول وأيضاً في عهد خلفه فرانسوا ميتران لكن عندما وصل مقعد الرئاسة الفرنسية إلى جاك شيراك ووصل بعد ذلك مقعد المستشارية الألمانية إلى غيرهارد شرويدر بدأت الأمور تختلف وأخذ هذان الزعيمان الأوروبيان بقدر ما يتفاهمان ويتقاربان بقدر ما يتباعدان عن السياسة الأميركية في أوروبا وفي الشرق الأوسط وأفريقيا وكل مكان. وهكذا فقد ساد في السنوات القليلة الماضية تقارب فرنسي–ألماني جرى توظيفه لتعزيز النـزعة الاستقلالية في أوروبا كلها ضد الهيمنة الأميركية، لكن أنجيلا ميركل بعد فوزها على غيرهارد شرويدر في آخر انتخابات ألمانية بادرت من جهة إلى التحرك وبسرعة في اتجاه التقرب من أميركا حتى حدود التطابق، وإلى السعي من جهة أخرى الى استعادة مكانة بلادها القيادية في أوروبا، وشكل هذا أكبر تحدٍ للرئيس الفرنسي الجديد نيكولاي ساركوزي الذي اندفع بدوره وبسرعة لـ«ضبط» ساعته على ساعة الرئيس الأميركي جورج بوش، فتبنى مواقف الولايات المتحدة كاملة تجاه إيران وغير إيران، وأظهر تشدداً في مواقفه تجاوز حتى تشدد المواقف الأميركية... وهذا هو سر تصريحات كوشنير «العسكرتارية» المشار إليها ضد الجمهورية الإسلامية. * كاتب وسياسي أردني