أفي ظل هذا الظلم الصاعق الواقع بلا أدنى رحمة على «البدون»، وهذا العبث والتسويف الحكومي المستمرَّين لحل قضيتهم، وهذا التباطؤ والكسل البرلماني الفاضحَين تجاه معالجتها، لا يحق لهم أن يتحالفوا مع «الجن الأزرق» نفسه لرفع الظلم عنهم وعن أبنائهم وشيوخهم؟! «مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»؟!يوم حصل الغزو العراقي، وقامت حكومتنا باستدعاء القوات الأجنبية لتحرير الكويت، أذكر أن بعضهم وجه اللوم إلى حكومتنا، وتشدق في الصحف والفضائيات بأهمية أن يكون الحل عربياً وإسلامياً حتى لا يكون للغربي «الكافر» موطئ قدم في العالم العربي. يومها أذكر أن أحد كبار مسؤولينا رد على هؤلاء بقوله: إننا سنتحالف مع الشيطان في سبيل تحرير بلادنا!
قضية البدون اليوم تجاوزت الجيل الثاني من عمرها، وبالرغم من ذلك فلا تزال بعيدة كل البعد عن الحل، بل لعلها تزداد تعقيداً وابتعاداً عن احتمالات العلاج يوما بعد يوم، وليس هذا على صعيد تجنيس البدون المستحقين الجنسية، وليس على صعيد إيجاد حل سياسي وقانوني حاسم لهذه الفئة على صعيد المواطنة، وإنما حتى على صعيد الحقوق الإنسانية التي كفلتها القيم الإنسانية والأديان قبل أن تقرها القوانين والمعاهدات الدولية!
في ظل هذا الانسحاق الذي تعيشه هذه الفئة المظلومة بكل المقاييس، لا ينفك بعضنا يوجه اللوم إلى أفرادها إن هم حاولوا، أو حتى فكروا، في تصعيد قضيتهم المستحقة وإيصالها إلى النطاق الخارجي، بل إن منّا من يصل إلى حد تخوين من يحاولون ذلك والإشارة إلى مسعاهم هذا كدليل على عدم ولائهم وانتمائهم إلى الكويت!
يا سبحان الله! أفي ظل هذا الظلم الصاعق الواقع بلا أدنى رحمة على البدون، وهذا العبث والتسويف الحكومي المستمرين لحل قضيتهم، وهذا التباطؤ والكسل البرلماني الفاضحين تجاه معالجتها، لا يحق لهم، وهم من تطحنهم قسوة الحياة ليل نهار، أن يقولوا كما قال بعض مسؤولينا يوم حصل الغزو على بلادنا، وأن يتحالفوا مع «الجن الأزرق» نفسه لأجل رفع الظلم عنهم وعن أبنائهم وشيوخهم؟! «مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»!
طلب مني بعضهم أن أكتب عن البدون المحتجزين في سجن الإبعاد، والحق أني لم أجد في نفسي الرغبة لذلك، لأني بعد سنوات من متابعة قضية البدون، والعمل بقدر استطاعتي مع اللجنة الشعبية لقضايا البدون، بت اليوم على قناعة راسخة بأن من أهم الأسباب التي زادت من تعقيد قضيتهم وتأخير الوصول إلى حل لها، هو ضياع جهودنا في مواجهة المعارك الحكومية المفتعلة على جبهات جزئية؛ فمرة نتصدى لمسألة عدم إصدار شهادات الميلاد والوفاة وعقود الزواج لهم، ومرة لاختراع مسمى «المقيم بصورة غير قانونية»، ومرة لعرقلة إصدار رخص القيادة، ومرة لعدم السماح لهم بالعمل، وهكذا دواليك! حتى جعلونا نعيش خديعة القبول بالفصل بين حق أفراد البدون في المواطنة والحصول على هوية، وحقهم في الحصول على حقوقهم الإنسانية البديهية التي يفترض ألا يحرموا منها في بلد مسلم!
يا سادتي، يوم احتلت بلادنا، وتناثرنا في بلاد الشتات، عرفنا معنى ضياع الهوية والعيش بلا وطن لأننا تجرّعنا مرارته وعرفنا طعمها، والبدون اليوم يتجرعون هذه المرارة في كل لحظة من أعمارهم، فكيف يلامون إن هم لجؤوا إلى البحث عن حل في أي مكان؟!
زملائي الأعزاء في اللجنة الشعبية لقضايا البدون، أتمنى لكم كل التوفيق في مسيرتكم، لكنني عاجز عن أن أرى حلاً حقيقياً يأتي عبر هذه المسيرة. حل قضية البدون في قناعتي الراسخة سياسي بحت، ولا سبيل للوصول إليه إلا بالعمل على المستوى السياسي داخلياً وخارجياً، فهل تراكم تدركون ذلك يا ترى؟!