إعلان الإدارة الأميركية عن صفقة السلاح الخيالية لمنطقة الشرق الأوسط، والخليج العربي تحديداً، يرسم خريطة واضحة لمفهوم «الفوضى الخلاقة» التي يتفرد برسم تفاصيلها وأدق خيوطها لاعب واحد؛ فالجانب الأميركي لم يكتف بفرض حجم هذه الصفقة وقيمتها وكمياتها ونوعيتها وجدول تسليمها وأهدافها الحربية وتوزيعها الجغرافي، دونما أي حساب للاعتبارات الأمنية والعسكرية والسياسية لدول المنطقة العربية فحسب، بل قامت وزيرة الخارجية رايس بجمع المسؤولين العرب وفي محاضرة واحدة ألقت عليهم هذا المنهج الضخم والرهيب وأعطتهم الواجب المنزلي لمراجعة الدرس وتكييف سياساتهم وقراراتهم المستقبلية على ضوء الاستراتيجية الأميركية.

Ad

ووجه العدالة الوحيد في هذه الصفقة أن الحكومة الأميركية قسمتها بإنصاف؛ حيث خصصت لإسرائيل أسلحة بقيمة 30 مليار دولار، وللعرب مجتمعين 30 مليار دولار أخرى! أما بقية أبعاد الصفقة فتجسد قمة الإهانة السياسية للدول العربية وشعوبها وحكوماتها.

فبينما الأسلحة الإسرائيلية هي الأكثر تطوراً وذات قدرات قتالية هجومية ويصل مداها إلى أي نقطة في الشرق الأوسط، فإن الأميركيين هم الذين حددوا حجم الأسلحة العربية ومداها واختاروا المواقع التي تصل إليها وقدروا حتى مناطق تخزينها وفق اعتبارات أمن إسرائيل!!

ومن ناحية ثانية، ربطت الإدارة الأميركية صفقة السلاح الخليجي تحديداً بعنوان أمن المنطقة، وليس أمن دول مجلس التعاون الخليجي بالذات، وهنا تكمن خباثة الإدارة الحالية ليس تجاه ما تزعم بحلفائها الخليجيين فقط، بل حتى ضد المؤسسات الأميركية نفسها، فحكومة بوش اشترطت أن تكون الأسلحة العربية موجهة فقط ضد إيران وسورية و«حزب الله» و«حماس» رغم أن الكونغرس الأميركي الجديد أصدر قراراً استباقياً برفض أية حرب أخرى ضد إيران وسورية بعد قراره بسحب القوات الأميركية من العراق، بل إن الكفة الشعبية في الولايات المتحدة ترجح بقوة فوز الديموقراطيين بالبيت الأبيض في الانتخابات المقبلة، والإدارات الديموقراطية لا تميل بطبعها إلى الدخول في حروب خارجية. ولذلك، فإن القراءة الوحيدة لسياسة بوش-رايس هي إقحام الدول العربية في حروب بالوكالة ضد إيران وسورية مع التحكم في توقيتها ومساراتها.

إن قيمة الصفقة العسكرية رغم ضخامتها التي تقدر بـ 30 مليار دولار في ظل أسعار النفط والوفرة الهائلة، بل ومقارنة مع مجمل الإنفاق العسكري المجنون الذي تجاوز الـ 300 مليار دولار خلال العقود الثلاثة الماضية قد لا تعني الشيء الكثير في الموازنات المالية لدول الخليج. وبالتأكيد، فإن مشاريع التنمية في ظل التوسع الهائل التي تشهده المنطقة والنمو البشري الكبير في أمس الحاجة لها، ولكن بعدها السياسي هو الأخطر والأهم.

فإذا كان الأميركيون يريدون الحرب ضد إيران أو سورية.. فلماذا لا يذهبون إليها مباشرة؟ ولماذا تُفوض دول الخليج ومصر والأردن بذلك؟ وعلى هذه الدول أن تعي بأن الماكينة الحربية الأميركية لم تجد نفعاً أو حسماً في حروبها الخارجية، وآخرها أفغانستان والعراق، فها هي الحكومة الأميركية تفاوض خصومها وأعداءها من طالبان والبعثيين وإيران وسورية للخروج بحلول سياسية من مأزقها الأمني.

وأخيراً، عندما تقول «أبله» رايس إن صفقة الأسلحة المليارية هي رسالة إلى دول الخليج بأنه يمكن الاعتماد علينا في أي وقت، فلماذا هذا الاعتماد لا يكون إلا بمبلغ 20 مليار دولار؟ ولماذا لا نجرؤ على الرد عليها «كثر خيرك وجزاك الله كل خير»، ونحن نثق في هذا الاعتماد وإذا احتجناكم فعندنا أرقام «الخط الساخن»؟

وبالتأكيد سوف نتصل عليكم لدرء أي خطر، ونحن مستعدون لدفع فواتير ذلك عن طيب خاطر، وتجربة الغزو العراقي خير دليل على ذلك حيث لم تتجاوز فاتورة دول مجلس التعاون مجتمعة في حرب تحرير الكويت 10 مليارات دولار!!