أصبح الجميع؛ الحداد والموظف والسباك وموظف الاستقبال في المستشفى، أطباء يعالجون، وانبرى شباب لا تتجاوز أعمارهم الخامسة والعشرين بالفتوى في مسائل دينية. وهناك شابات داعيات إسلاميات حزبيات يجمعن النساء في حلقات أسبوعية ليجبن عن أسئلة دقيقة وحساسة مستغلات ضحالة وسطحية النسوة الحضور في القضايا الدينية. بالفعل هي إشكالية أن يتصدى الإنسان غير المتخصص لشأن دقيق وحساس كالفتوى أياً كان نوعها أو مجالها لابد من مرجعية متفق عليها في هذه القضية.الإفتاء ليس مجالنا ولا ندعي الفهم فيه، لكن من حقنا أن نقول رأينا فيما نسمع ونقرأ من فتاوى يميناً وشمالاً. الإفتاء يجب أن يكون للمتخصص ذي الخبرة الواسعة والفهم العميق في المجال والإفتاء، ويجب أن تقوم به جهة أو مؤسسة منوط بها مهمة الإفتاء وليس فرداً.
وما نقصده هنا ليس الإفتاء في الشؤون الدينية فحسب، فهناك الفقه القانوني الذي يستوجب الإفتاء، وهناك العلاج الطبي الذي يتطلب الإفتاء حول قضية خلافية طبية، وهناك في الشأن العام السياسي نحتاج إلى فتاوى حول مسائل مختلف عليها أو خلافية.
ولنبدأ في الشأن الديني. من القادر على الإفتاء في الشأن الديني أو من له حق اطلاق الفتوى الدينية؟ انبرى شباب لا تتجاوز أعمارهم الخامسة والعشرين وبعضهم لا يزالون طلبة في الجامعة بالفتوى في مسائل دينية لعائلته الصغيرة، أو عبر وسائل الإعلام مستنداً إلى لقب شيخ الذي أطلقه عليه أصحابه أو جماعته الحزبية، وعلى هيئته الخارجية ووصل الأمر حد الإفتاء من قبل شابات داعيات إسلاميات حزبيات يجمعن النساء في حلقات أسبوعية تعددت مسمياتها ويجبن عن أسئلة دقيقة وحساسة مستغلات ضحالة وسطحية النسوة الحضور في القضايا الدينية ومقدرتهن على الكلام، ولدى بعضهن الجرأة في الإفتاء ويختتمن ذلك بالقول: ( قال العلماء ... والله أعلم).
هل يجوز ذلك أيها العقلاء ويارجال الدين الأتقياء؟ وسيخرج علينا من يقول أين الدليل؟ ومن هم أو هن أولئك؟ إلخ... وردنا: لا نستطيع ذكر أسماء، ولكنها قضية عامة يعرف عنها الجميع وأولهم صاحب السؤال نفسه نقول أوقفوا إفتاء صغار السن، واتركوا الأمر للمتخصص صاحب التجربة الطويلة العميقة في المجال.
والأمر لا يقتصر على ذلك، فنحن نعرف كل شيء فالجميع أصبحوا يفهمون في الطب، ويصفون دواء لبعض المرضى، اسمعوا ماذا يقول الزائرون للمريض في المستشفى بعد سؤالهم عن طبيعة المرض، يقولون الدواء الفلاني مفيد، وآخـر يقول جربنا دواءً فشفينا، وثالث يقول هناك أفغاني يعالج بالأعشاب، ورابع يقول هناك يمني يقرأ على المريض فيشفى وخامس وسادس، وأيا كان المرض لديهم وصفة له، وطريقه للعلاج! وأصبح الجميع الحداد والموظف والسباك، وموظف الاستقبال في المستشفى أطباء يعالجون، وأخذ المتخصص في علم النفس لقب دكتور، والمتخصصة في الأغذية طبيبة، والموظف في صالة الرياضة طبيباً، والصيدلي طبيباً، وحلاق المرضى في المستشفى دكتوراً.
وفي المجال السياسي حدث ولا حرج عن الافتاء السياسي. وأتذكر أن عدداً من المواطنين في الأزمات بعد الغزو العراقي للكويت يتجمعون في داخل الكويت وخارجها ليبدي كل منهم رأيه في خطة الهجوم، وأمامهم خريطة الكويت مكبّـرة وأصبحوا خبراء استراتيجيين في الشؤون العسكرية، وهم اليوم يتحدثون عن فتاوى في طبيعة الهجوم الأميركي على إيران، لاسمح الله.
إنها بالفعل إشكالية أن يتصدى الإنسان غير المتخصص لشأن دقيق وحساس كالفتوى أياً كان نوعها أو مجالها لابد من مرجعية متفق عليها في هذه القضية. إنها مقتصرة على المتخصص وعلى المؤسسة المختصة، ولابد من ضابط لهذه المسألة فقد طفح الكيل أيها المفتون فيما لا يعنيكم وقبل التمكن العلمي الرصين في المجال المقصود بالرأي أو الفتوى.