خذ وخل: مواطنون بدون إشهار!

نشر في 07-11-2007
آخر تحديث 07-11-2007 | 00:00
 سليمان الفهد

ليس سراً أن بلادنا خسرت العديد من «المواطنين» الصالحين الفعالين المدججين بالعلم والمعرفة والتفوق في مجال تخصصهم الجامعي، فعلى الرغم من أن الوطن هو الذي تولى تعليمهم في شتى المراحل الدراسية بما فيها الجامعية، فإنه لم يحسم مسألة منحهم الجنسية الكويتية، الأمر الذي اضطرهم إلى أن يلوذوا بالدول العربية الخليجية التي احتضنتهم بطيب خاطر، ومنحتهم جنسيتها وحقوقهم في التو والحين.

* في الطائرة الميممة صوب القاهرة كنت أطالع مجلة «العربي» وأتصفح العدد الجديد منها. وكان جاري المصري يسترق النظر إلى المجلة محاولاً متابعة ما أقرأ. وحين توقفت عن التصفح، وشرعت في مطالعة مقابلة صحفية تنطوي على سبق صحفي بأثر رجعي، إن صح التعبير، وحين فرغت من قراءته فوجئت بجاري إياه يطلب مني إعارته المجلة لقراءة المقابلة الطريفة. استجبت إلى طلبه برحابة صدر، وطفقت أقرأ في رواية «ميمونة» للروائي السعودي «محمود تراوري» الصادرة من «الدار 2007». وهي تستأهل القراءة بحق لكونها تقتحم فضاءً خصباً بكراً يتمحور حول سيرة الرق والعبودية، ومسيرة المجاورين الأفارقة المعروفين في السعودية باسم «التكارنة»، وجدتني اندمج في قراءة الرواية المدهشة، والتي آمل الحديث عن انطباعي عنها في المستقبل بإذن الله الواحد الأحد. لكني فوجئت بأخينا الذي يجاورني يقطع علي توحدي مع الرواية سائلاً: هل كاتبة الحوار كويتية؟!

فاجأني السؤال البسيط، فهربت منه بالإشارة المسطرة في هامش المقابلة المفصحة بأنها «كاتبة من الكويت» والبلية أنه لم يقنع، فراح يلحف في معرفة متن الاشارة لا هامشها الملتبس! وكان يمكن لي فض السيرة ووأد الاستجواب بأي كلام عام فضفاض، تأسياً بتصريحات بعض المسؤولين، لكن البلية ان السؤال نفسه يلاحقني حيثما كنت.... في محفل أدبي، أو بحضرة أدباء وفنانين وإعلاميين، في أي قطر عربي أحل به!

* والسؤال لم يكن مقتصرا عليها، بل إنه يشمل جميع المبدعين الذين لم يحصلوا على الجنسية الكويتية! وأحسب لو أنهم كانوا «مبدعين» في الرياضة بعامة، وفي كرة القدم بخاصة، لكانوا أصبحوا «كوايتة» من دون أي عائق البتة! ولو أن صاحبتنا إياها هَجَّت من «وادي عبقر» المزدحم بشياطين الشعر وأبالسة القوافي، إلى الملاعب الرياضية للتنس الأرضي، أو تنس الطاولة على أقل تقدير لكانت كويتية بالإشهار الرسمي، مثلما هي كذلك بالفعل والممارسة الدالين على الانتماء! حسبنا دليلاً على ما ذهبت إليه، موقف هذه الفئة الطيبة من غير محددي الجنسية أثناء الاحتلال والذي كان يضاهي موقف بقية المواطنين الصامدين... بكل تجلياته في الصمود والمقاومة، وبما يتمخض عن ذلك من تبعات الأسر والاستشهاد وغيرهما.

وليس سراً أن بلادنا خسرت العديد من «المواطنين» الصالحين الفعالين المدججين بالعلم والمعرفة والتفوق في مجال تخصصهم الجامعي، فعلى الرغم من أن الوطن هو الذي تولى تعليمهم في شتى المراحل الدراسية بما فيها الجامعية، فإنه لم يحسم مسألة منحهم الجنسية الكويتية، الأمر الذي اضطرهم إلى أن يلوذوا بالدول العربية الخليجية التي احتضنتهم بطيب خاطر، ومنحتهم جنسيتها وحقوقهم في التو والحين، ودونما تسويف أو تردد يشيان بغياب القرار الصائب المناسب في الوقت المناسب! وفي هذا السياق أذكر أن مجلس التخطيط -أيام عزه- الفاعل في الحوار الوطني المسؤول، قد حدد معايير المواطنة، وشروط التجنيس، وصفات ومناقب الإنسان الذي يستأهل هوية المواطن، لكن توصيات المجلس ظلت راقدة في «الأضابير» والملفات لسوء حظ الوطن والمواطنة، ذلك أن الكثيرين من الذين تم تجنسيهم يشكلون عبئاً على الوطن، وطرحاً من ثروته البشرية الفعالة، لأنهم أميون يكابدون الأمية بكل معانيها وأشكالها.

* إن الذي يعزينا في خسران الوطن مئات المواطنين الفاعلين الذين ولدوا هنا، وترعرعوا في حضن الكويت ينهلون العلم بمراحله كافة، ويحظون بجُل الخدمات التي يحظى بها المواطن، أقول إن عزاءنا يكمن في احتضان الأقطار العربية في الخليج والجزيرة العربية لهم كما نوهت آنفا.

وقد تداعت إلى الذاكرة هذه الخواطر إثر قراءتي للمقالة الاستهلالية التي دبجها بشفافية وصدق يراع الأديب الساخر والشاعر الحادي «سليمان فليّح» في زاويته بـ«الجريدة». والذي أثار شجوني إلى حد البكاء هو أن رواية أخينا «بو سامي» لسيرته الذاتية الكويتية ريانة بالذكريات «الزينة»، خالية من المشاعر السلبية التي يمكن أن تستحوذ على وجدان إنسان مثله كابد محنة الهوية برهافة حس، واستجاب لها بالسخرية المرة اللاذعة، كما هو شأن المبدعين الساخرين دوما! فشر البلية ما يضحك... بحسب القول المأثور. لكن القول «المأسور» أطلق سراحه صاحبنا على الورق نشيداً يتغنى بحب الكويت الذي احتضنه صبياً وشاباً وكهلاً، ويجتر كما البعير ذكرياته الحلوة والحامضة والمرة بمنأى عن أي مشاعر محبطة وسلبية تجاه مسقط رأسه، أو مسقط حبه -بتعبير الأديبة «غادة السمان»- المضاهي للسان حال صاحبنا، كما تبدّى في مقالته الأولى عن سيرته الذاتية الكويتية.

back to top