الأمر الأكثر خطورة الذي يسود الشارع المصري حال فقدان الثقة التي أصابت الجميع، فالكل فاقد الثقة بغيره، وأعتقد أن هذه الحال بدأت من فقدان ثقة المواطن بحكومته ومجلس نوابه وممثليه الذين وصلوا إلى مقاعدهم بأسلوب لا يقبله الكثيرون، ثم أخذت حال فقدان الثقة تتصاعد تدريجياً إلى أن أصابت الجميع.بعد عودتي من رحلتي السريعة إلى مصر كان سؤال الجميع وكالمعتاد «أخبار مصر إيه»؟ وبالرغم من أنني لا أمكث بعيداً عن مصر أكثر من 6 شهور إلا أنني في هذه الرحلة وبعيداً عن الحديث المتكرر حول الغلاء وارتفاع الأسعار والأزمة الاقتصادية التي يعيشها المواطن صباح مساء والتي أصبح الحديث عنها بلا قيمة ولا فائدة لاحظت تطوراً نوعياً في طريقة تعبير المواطن عن غضبه، فبدلاً من تكرار شكواه والصمت بعدها أصبح المواطن يتبع شكواه بسب علني للنظام سياسة وأفراداً، فالكل يشتم ويلعن النظام وسياسته، ولا أحد يعترض أو يرفض ويتم هذا في كل مكان بما في ذلك الدوائر الحكومية، فالموظف يسب ويلعن والمواطن الذي ذهب لقضاء أمر ما يشاركه موقفه وترتفع حدة السباب مع تجمعات المواطنين في وسائل المواصلات مثلا أو «طوابير» الخبز التي عادت للظهور -للأسف- في بعض المناطق، فالكل في حال سب جماعي إلى الدرجة التي تخيلت فيها وجود معاهدة غير مكتوبة بين الشعب والنظام تسمح للشعب أن يسب ويلعن كما يشاء، وللنظام أن يفعل ما يريد، فالشعب لا يحترم النظام والنظام لا يحس بالشعب، أي باختصار شعب يلعن ونظام يرتع.وكان الأكثر خطورة حال فقدان الثقة التي أصابت الجميع، فالكل فاقد الثقة بغيره، وأعتقد أن هذه الحال بدأت من فقدان ثقة المواطن بحكومته ومجلس نوابه وممثليه الذين وصلوا إلى مقاعدهم بأسلوب لا يقبله الكثيرون، ثم أخذت حال فقدان الثقة تتصاعد تدريجياً إلى أن أصابت الجميع، فالمريض لا يثق بالطبيب الذي يعالجه ويعتقد أن همه الأكبر جمع المال، والمجني عليه فاقد الثقة بضابط الشرطة الذي يجب عليه حمايته، بل يخشى الذهاب إلى قسم البوليس ولا يثق كذلك بالمحامي الذي يدافع عنه والقاضي الذي يحكم له... بل إن فقدان الثقة ويا للعجب أصاب العاملين في نفس المكان، فوكيل نيابة المرور مثلا لايثق بدفتر المخالفات الذي قدمه له ضابط المرور في الإدارة نفسها ويقوم تلقائياً بإلغاء بعض المخالفات من دون الرجوع إلى الضابط الذي قام بتحريرها لأنه على يقين أن هذه المخالفات غير صحيحة.ذات يوم ركبت سيارة «تاكسي» من شبرا إلى مدينة نصر وبعد ركوبي استأذن السائق في التوقف أمام ورشة إصلاح لزيادة الهواء في أحد إطارات السيارة، واستخدم العامل مضخة الهواء في ملء الإطار وأخبر السائق أن الإطار فيه ثقب ويجب إصلاحه، فشكره السائق ورفض طلبه بدعوى أنه في عجلة من أمره ومعه زبون! وسألت السائق كيف يمكن أن تسير والإطار مثقوب كما أنني لست متعجلاً إلى هذه الدرجة، فأن «أصل متأخراً خير من ألا أصل أبداً» فأخبرني السائق أنه لا يوجد أي ثقوب، وأن الأمر ليس أكثر من محاولة من العامل لاختلاق عمل ما للحصول على المال! وانطلقنا بالسيارة ووصلنا مدينة نصر «20 كم تقريباً» ولم يحدث أي شيء وعند مغادرتي للسيارة ابتسم السائق وقال لي بنظرة ذات معنى «مش قلت لك يا بيه مفيش حاجة». هل يمكن أن يصل فقدان الثقة بين الجميع إلى هذه الدرجة، وكيف يمكن للمواطن البسيط أن يحيا ويلبي احتياجاته اليومية ومتطلباته الاجتماعية وهو في هذه الحال، أم أن كل هذا تأكيد لقول الشاعر «بتصرف»:إذا كان رب البيت «للثقة فاقداً» فشيمة أهل البيت كلهم «الكذب».